التقاط اللحظة

 

تؤكد زيارة الرئيس باراك اوباما لاسرائيل، لا سيما قبل الفصح، الفرق بين زيارة هذا الرئيس الأميركي عن باقي زيارات الرؤساء الأميركيين. ويبدو أن الجواب على هذا السؤال لن يتضح الا بعد الفصح، وذلك لأن الجانب الأميركي يبقي حتى الآن على الغموض في كل ما يتعلق بأهداف الزيارة. في ضوء خيبات الأمل الكثيرة التي كانت من نصيب اسرائيل، الفلسطينيين والولايات المتحدة يبدو أن كل الأطراف لا تطور توقعات في هذه المرحلة بأفق سياسي جديد. غير أن زيارة اوباما في التوقيت الحالي، فضلا عن البحث في النووي الايراني – تنطوي على امكانية كامنة للشروع بخطوة أوسع.
أولا، انتخاب اوباما لولاية ثانية يضمن ان يكون أكثر تحررا من الضغوط الداخلية، سواء من الكونغرس، أو اللوبي اليهودي "ايباك" أو من محافل مؤيدية للعرب.
ثانيا، تشكيل ائتلاف جديد في اسرائيل، يضم يئير لبيد وتسيبي ليفني، يبعث على أمل بسياسة نشطة أكثر في الساحة الفلسطينية. وخلافا لحزب البيت اليهودي، فان مشاركة يوجد مستقبل والحركة في الحكومة كفيلة بان "تحفز" نتنياهو على أن يعرض على الطرف الفلسطيني اقتراحات اكثر جاذبية من الماضي. وللمفارقة، فان الزعيمين، اوباما ونتنياهو، اللذين لا يوجد بينهما استلطاف زائد، القيا خطابين ذوي أهمية في حزيران 2009 – خطاب القاهرة من جهة وخطاب بار ايلان من جهة اخرى – وعدا فيهما بأمور كثيرة لكنهما حققا القليل جدا. لقد أعطاهما التاريخ فرصة اخرى لمحاولة حث مبادرة سياسية تخلف أثرها.
ثالثا، تستدعي أحداث الربيع العربي تحريكا للمسيرة السياسية، فمن شأن الطريق المسدود أن يؤدي بالفلسطينيين الى محاكاة أخوانهم في مصر، في تونس وسوريا فيشرعوا بانتفاضة ثالثة، توجه ضد الاحتلال. التفكير الاسرائيلي التقليدي، الذي يرى في الربيع العربي شتاء اسلاميا، يجب أن يخلي مكانه لمحاولة رؤية الفرص التي تعرضها التغييرات في العالم العربي على اسرائيل.
رابعا، تاريخ التدخل الأميركي في المسيرة السلمية يفيد بان المبادرات تكون أكثر نجاحا اذا ما عرضت في بداية الولاية الرئاسية، وليس مع اقتراب نهايتها. هكذا مثلا نجح جيمي كارتر في تحقيق اتفاق كامب ديفيد في السنة الثانية من ولايته (1978) واتفاق السلام بين اسرائيل ومصر في السنة الثالثة (1979)، بعد تدخل مكثف في المحادثات منذ زيارة الرئيس المصري في حينه، أنور السادات، الى القدس عام 1977؛ ونجح بيل كلينتون في تحقيق اتفاق اوسلو (1993) واتفاق السلام بين اسرائيل والأردن (1994) في السنتين الاوليتين لولايته.
الاخفاقات الأخيرة في المسيرة السياسية بالمقابل، وقعت في أواخر الولاية الرئاسية الأميركية. هكذا مثلا في السنة الأخيرة لرئاسته (2000) فشل كلينتون في محادثات شبردستاون وجنيف مع سوريا (كانون الثاني وآذار على التوالي)، في مؤتمر كامب ديفيد (تموز) وفي المبادئ التي عرضها على ايهود باراك وياسر عرفات (كانون الأول). اما جورج بوش الابن فلم ينجح في المساعدة في التوقع على تفاق بين ايهود اولمرت ومحمود عباس في 2008، تماما قبل أن ينهي ولايته الثانية. وأسباب الاخفاقات لا تكمن فقط في حقيقة أنها حصلت في اواخر ولاية الرؤساء الأميركيين لكنها لو بدأت في وقت ابكر لكان محتملا ان تجسر خلافات الرأي في الزمن الكبير المتبقي. وادعى موظفون في الادارة الأميركية في مذكراتهم بانه لو كان كلينتون تقدم بمبادئه في مرحلة مبكرة أكثر، لكان احتمال اكبر في أن يقبلها الطرفان.
في بداية رئاسته رفع اوباما مستوى التوقعات بعد أن وعد اثناء الانتخابات باتخاذ سياسة فاعلة وتأكيدية في النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. وفي نظرة الى الوراء لا يمكن ان نشخص استراتيجية أميركية واضحة في الولاية الاولى، باستثناء خطوات تكتيكية لم تعطي نتائج. ومن شأن زيارة اوباما القريبة أن تكون خطوة تكتيكية اخرى، مثل الزيارتين المهمتين للرئيس بوش في عام 2008 (الثانية على شرف احتفالات الستين) اللتين لم تستغلا لتقدم الزخم في المحادثات بين اولمرت وعباس.
دان كيرتسر، السفير الأميركي السابق في اسرائيل ومصر، نشر مؤخرا كتابا عن "لغز السلام" في الشرق الأوسط. بين الدروس التي يحصيها بالنسبة للولايات المتحدة يشير الى أهمية "التقاط اللحظة". حين تنشأ الفرص، كما يشدد، على الولايات المتحدة أن تكون سريعة ومصممة على استغلال اللحظة؛ فالفرص لا تنتظر بل ثمة حاجة لتطويرها. زيارة اوباما يمكن أن تكون مثل هذه اللحظة.
----------
*
 بروفيسور يدرس في دائرة الدراسات الاسلامية والشرق الأوسط في الجامعة العبرية في القدس