من يحكم مصر؟

 

بقلم: تسفي بارئيل

هل تذكرون اليوم الذي فررتم فيه من المحكمة؟ إذا لم تحكموا حسب العدل يوم السبت 9 اذار فانكم ستتوقون للفرار ولكنكم لن تستطيعوا'، هكذا كتب مؤيدو فريق كرة القدم الاهلي القاهري في صفحتهم على الفيسبوك. تهديد 'الاولتراس' المؤيدين المتزمتين للاهلي، اخذ على محمل الجد. اكثر من 2.000 شرطي جندوا لحراسة محكمة الجنايات التي انعقدت يوم السبت في مبنى كلية الشرطة، لحسم مصير المتهمين (وهذه مجموعة المتهمين الثانية) في المذبحة التي وقعت في بداية شباط 2012 في مدينة بور سعيد.

في هذا الحدث الذي هز مصر قتل 74 شخصا بعد مباراة كرة قدم تنافس فيها الفريق القاهري مع خصمه 'المصري' من بور سعيد. ومنذ ذاك اليوم الفظيع، ترقبت مصر قرار الحكم وبالاساس 'العدل' الذي سيتخذ بحق قادة الشرطة الكبار، الذين بزعم مؤيدي الاهلي شجعوا المضيفين من بور سعيد على ذبح ضيوفهم.

ولكن قرار المحكمة الذي صدر يوم السبت هيج الخواطر مرة اخرى فقط. فمؤيدو الاهلي وسكان القاهرة غاضبون من تبرئة 28 متهما وعقوبات السجن، المخففة برأيهم، بحق ضباط الشرطة الكبار.

بور سعيد هي الاخرى تعتمل منذ قرار المحكمة. الاحساس في المدينة هو أنه لاسباب سياسية القت المحكمة كل الذنب على مؤيدي الفريق المحلي، وكل المتهمين هم من ابناء المدينة. منذ كانون الثاني، حيث عقدت المحكمة الاولى، أعلنت المدينة عن عصيان مدني عنيف، عن 'استقلال' رمزي وفك ارتباط عن الدولة. الكثير من مواطنيها رفعوا علم المدينة وكأنه علم الدولة، واستبدلت لوحات ترخيص السيارات بلوحات كتب عليها 'دولة بور سعيد'، والاشتباكات مع افراد الشرطة ورجال الامن اصبحت ظاهرة يومية أخذت في التصاعد في الاسابيع الاخيرة الى أن خرجت المدينة عن السيطرة.

'محكمة بور سعيد' هي آخر أمر يحتاجه الرئيس محمد مرسي الذي اضطر الى أن يعترف غصبا لان مستقبل حكمه منوط بقرارات المحكمة. وكان واضحا عشية المحكمة للرئيس ومستشاريه بان كل قرار يخرج عن المحكمة سيهز الدولة، سيستدعي ردا بالقوة وربما حتى تدخل الجيش. وقد سبق لمرسي أن سمع تحذيرات الجيش الذي ابلغه بانه لن يصطدم مع الجمهور وأنه غير معني بان يشركوه في التطورات السياسية. ولكن عندما يكون أفراد الشرطة، الذين يعملون لدى وزارة الداخلية، مضربين ويطالبون بتزويدهم بالسلاح كي يتمكنوا من الدفاع عن انفسهم في وجه المتظاهرين، فان من شأن مرسي أن يضطر هذه المرة الى الجيش وان يظهر بذلك عدم سيطرته في مصر.

التهديد السياسي الذي يواجهه مرسي في اعقاب هذه المحكمة ليس استثنائيا في شبكة العلاقات بين الرئيس وجهاز القضاء. فقبل بضعة ايام من المحكمة تلقى مرسي صفعة من المحكمة الادارية التي قررت تجميد كل الاستعدادات للانتخابات البرلمانية الى أن تدرس المحكمة الدستورية قانون الانتخابات الجديد وتقرر بانه لا يتعارض مع الدستور.

وظاهرا يدور الحديث عن موضوع فني. فحسب القانون، فان قانون الانتخابات يجب أن يمر أولا عبر المحكمة الدستورية قبل أن يعرض على البرلمان. وعن هذه المرحلة قفز مجلس الشورى، الذي يعمل الان كبرلمان كي يسرع اجراء الانتخابات. وتمسكت المعارضة الشديدة لمرسي، وعلى رأسها جبهة الانقاذ الوطني، التي اعلنت عن مقاطعتها للانتخابات، تمسكت بهذا البند الدستوري كي تدق العصا، وان كان مؤقتا، في تطلع مرسي لتصفية الازمة السياسية وانهاء العملية الرسمية لاقامة الديمقراطية.

مرسي على وعي جيد بقوة المحكمة ولهذا فهو نفسه، مقابل حسني مبارك، لم يعد يمكنه أن يؤثر فما بالك أن يقود على قرارات المحكمة. المحكمة الدستورية هي التي حلت في السنة الماضية البرلمان الذي فاز فيه الاخوان المسلمون بالاغلبية، وهي التي قررت بان قراراته الرئاسية ليست دستورية. وشطبت المحكمة في حينه ترشيح خيرت الشاطر نائب زعيم الاخوان المسلمين للرئاسة، والذي احتل مكانه مرسي كمرشح بديل. وباختصار فان المحكمة الدستورية التي تحظى بشعبية جماهيرية، اصبحت سورا واقيا بوسعها أن توقف سياقات سياسية يرغب مرسي في دفعها الى الامام.

غير أن الحكم الناجع والمستقل، الذي اصبح جزءا من شخصية الثورة هو الذي من شأنه ان يمس بوتيرة البناء الاقتصادي لمصر. وذلك لانه طالما كانت المحكمة تعيق الانتخابات، وحين تكون قرارات المحكمة الجنائية قد تؤدي الى اندلاع اضطرابات في الشوارع فستجد مصر صعوبة في التوقيع على اتفاق القرض الحيوي مع صندوق النقد الدولي، وسيواصل المستثمرون ابعاد اقدامهم عن الدولة، والسياح سيفضلون اهدافا اخرى في العالم على الاهرامات. وتأمل المعارضة، التي ستساعدها الاثقال التي تضعها هي والمحكمة على عاتق مرسي الانتصار في الانتخابات للبرلمان. ولكن المشكلة هي ان ذات الاثقال من شأنها ايضا، في نفس المناسبة، الى اغراق الدولة.