"الرجل المريض على البوسفور"

 

بقلم: زلمان شوفال

يتوقع ان تكون تركيا ايضا بين الموضوعات التي ستطرح في اللقاء القريب بين الرئيس اوباما ورئيس الوزراء نتنياهو. لقد سموها في القرن التاسع عشر "الرجل المريض على البوسفور"، وكتبت صحيفة بريطانية مهمة آنذاك ان سلوكها "قد يورط اوروبا بل قد يفضي الى حرب". وتورط تركيا اردوغان نفسها اليوم ايضا لا مع اوروبا فقط بل مع الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي الذي هي عضو فيه. ولا تستطيع تركيا ان تحرر نفسها من ذكرى ان العراق كان ذات مرة جزءا لا ينفصل منها، وهي تتدخل في شؤونه الداخلية وتزيد في عدم الاستقرار هناك. وقد قال دبلوماسي غربي مؤخرا ان "من الصعب أن نبالغ في وصف عدم مسؤولية تركيا". ويعبر عن عدم مسؤوليتها ايضا المساعدة التي تقدمها لايران لتسويق نفطها برغم العقوبات الاقتصادية.

وفي السياق القبرصي ايضا تغضب تركيا حليفاتها في الغرب، فالاتحاد الاوروبي يطلب الى أنقرة ان تعترف باستقلال الجزء اليوناني من الجزيرة لكنها ترفضه؛ ويطلب الغرب اليها ان تجلي قواتها العسكرية عن الجزء الشمالي من الجزيرة وان تبطل القطيعة الاقتصادية التي فرضتها على الجمهورية القبرصية اليونانية لكن عبثا. بل انها تهدد بالاضرار بالمشروعات القبرصية للكشف عن مخزونات الغاز في مياهها الاقليمية. وتقوم فوق كل ذلك السحابة السوداء لعلاقات الحب – الكراهية بين تركيا والاتحاد الاوروبي. في سنة 2000 صاغت اوروبا وثيقة حددت شروط انضمام تركيا الى الاتحاد ومنها خطوات في المجال الداخلي والاقتصادي – لم يتم الوفاء بأكثرها. وقبل بضعة اسابيع عبرت مستشارة ألمانيا ميركل وقت زيارتها لتركيا عن ايمان بانضمام تركيا لكنها أضافت انه "تتوقع الى الآن طريق طويلة". ومن المؤكد ان احتمالات ان تقبل تركيا للاتحاد لم تتحسن بعد تشهير اردوغان بالصهيونية. وقد ندد وزير الخارجية الالماني (كالاميركي) بها بلغة شديدة، وأرسل اعضاء البرلمان الاوروبي العشرون رسالة شديدة اللهجة الى المسؤولة عن العلاقات الخارجية في الاتحاد السيدة آشتون طالبين التنديد بتصريح اردوغان في مؤتمر مجلس وزراء الخارجية القريب.

أين تدخل اميركا في الصورة؟ ان واشنطن تؤيد على نحو عام التوجهات الاوروبية لكنها ما زالت ترى تركيا دعامة استراتيجية مهمة لحفظ المصالح الاميركية في الشرق الاوسط – وهي مصالح ما زالت شديدة الأهمية – وإن أعلن اوباما بأن المحور المركزي لسياسة الخارجية والامن الاميركية سيوجه منذ الآن الى جنوب شرق آسيا. في الماضي قامت الاستراتيجية الاميركية في هذا السياق على المثلث اميركا – تركيا – اسرائيل – لكن الضلع التركية الاسرائيلية من هذا المثلث قد أخذت تتصدع منذ بضع سنوات (حتى قبل قضية "مرمرة").

تسعى واشنطن اذا الى اعادة الامور الى سابق عهدها، والقدس معنية لاسبابها الخاصة بمساعدتها على ذلك حتى لو اضطرت الى "ابتلاع ريقها" ومقاربة مطالب أنقرة المتعلقة بالقافلة البحرية الى غزة. إن التعاون الامني بين الولايات المتحدة وتركيا مهم لاسرائيل ايضا كما أن التعاون الامني الاميركي الاسرائيلي مهم لتركيا ايضا، لكن اذا أردنا الحكم على حسب تصريحات اردوغان ووزير خارجيته داود اوغلو المتحرشة فان احتمالات اعادة بناء "المثلث" برغم الجهد الاميركي، ليست كبيرة.

أخذ يتبين أكثر فأكثر ان اردوغان يرى ان التشهير باسرائيل والصهيونية رافعة لتقديم مطامحه في المنطقتين العربية والاسلامية. كانوا يأملون في الغرب ذات مرة ان تستطيع تركيا "المعتدلة" التي يحكمها حزب العدالة والتنمية الاسلامي، ان تكون نموذجا يحتذي عليه العالم العربي "الناهض". وبرغم ان تركيا تدعي الوقوف على رأس الهلال الاسلامي السني فان هدفها الحقيقي هو انشاء اطار جغرافي سياسي وايديولوجي بالهام منها وبقيادتها يشتمل على أكثر البلدان والشعوب التي كانت تنتمي في الماضي الى الدولة العثمانية، وهو هدف كان يقوم في مركز سياستها التي هي "صفر مشكلات مع الجارات" (ما عدا اسرائيل بالطبع). وقد فشلت هذه السياسة الى الآن لكنها سببت تعكير علاقاتها بالولايات المتحدة وشبه قطيعة للعلاقات باسرائيل (بالمعنى الرسمي لا الاقتصادي). فهل يستعيد "الرجل المريض على البوسفور" صحته في القريب؟ من المؤكد ان الاميركيين سيحاولون العمل في هذا الاتجاه وستكون اسرائيل مستعدة للمساعدة، لكن احتمالات ان تنجحا غير مشجعة.