المحاكمة التي قد تحرق مصر

 
بقلم: تسفي بارئيل
مبارة كرة قدم واحدة، مدينتان مصريتان، وقرار محكمة تجمع داخلها كل الغضب الذي تراكم في الاشهر التي قضت منذ المباراة، تهدد اليوم استقرار مصر. يخيل أنه أكثر من محاكمة مبارك ومحاكمة نجليه وقادة النظام السابق أصبحت هذه المحاكمة الفتيل الصاخب الذي بدأ يشتعل قبل نحو سنة ونصف ووصل، قبل ايام، حافة برميل البارود. السؤال هو اذا كان سيحدث انفجار أم في اللحظة الاخيرة تنجح قوات الامن في وقف العملية التي من شأنها أن تنقل مصر الى هزة لا يمكن التحكم بها. عندما تلا القاضي في المحكمة في القاهرة قرار الحكم – والذي تضمن عقوبة الموت لـ 21 من اصل 73 متهما، وعقوبة المؤبد لـ 24 منهم وتبرئة ساحة 28 – كانت الاضطرابات في أوجها.
في بور سعيد، التي جاء منها معظم المتهمين، تجري منذ كانون الثاني اضطرابات شوارع عنيفة وصلت ذروتها عندما نقلت الانباء عن ان الاف المواطنين "احتلوا" الطريق المؤدي الى المطار، قبل أيام، وان الجيش أخذ من الشرطة صلاحية فرض النظام. وفي القاهرة احتشد المئات قرب مبنى وزارة الداخلية وقرب المحكمة، فيما منعت قوات الجيش سيطرتهم على المؤسسات التي اصبحت هدفا للغضب.
بداية القضية هي مباراة كرة القدم بين الفريق الأهلي وبين فريق بور سعيد، والتي جرت في اوائل شباط من العام الماضي. في نهاية المباراة، نشبت، بمبادرة مؤيدي فريق بور سعيد، حرب حقيقية بين الفريقين الخصمين. وديس على الناس، وحطمت العصي الرؤوس واطلقت النار دون تمييز، وفي نهاية اليوم احصي 73 قتيلا. وعلى مدى سنة ترقب ابناء عائلات الضحايا مع المؤيدين المتحمسين لفريق الاهلي قرار المحكمة.
لأشهر عديدة شهدت مصر هزات سياسية شديدة هددت بتفكيكها: قضية صياغة الدستور؛ القرارات الرئاسية التعسفية التي اتخذها محمد مرسي؛ الاستفتاء الشعبي المتسرع لاقرار الدستور؛ الصراع العنيف قرب قصر الرئاسة لتجميد الدستور؛ الصدع العميق بين المعارضة والنظام؛ والتوتر الحاد في العلاقات بين الجيش والنظام، بينما في الخلفية تلقي الازمة الاقتصادية بظلالها المهددة. كل هذا غذى الغليان الذي انتظر الحدث الذي يمكن ان يتجه اليه الاحباط.
هل محاكمة "مذبحة بور سعيد" كما تعرف في وسائل الاعلام المصرية سيكون ذاك الحدث؟ الجواب على ذلك منوط بحجم العنف وبعدد المصابين الذين سيقعون في الاضطرابات، وبقدرة النظام على صد المظاهرات، وباستعداد الجيش للتدخل والعمل ضد المواطنين عند الحاجة.
في بور سعيد وصفوا الاعتراف القانوني بانه "قرار حكم سياسي" هدفه ارضاء مؤيدي الاهلي، الذين يعتبرون مؤيدي النظام. ولكن في القاهرة ايضا لم يسارع مؤيدو الاهلي الى الفرح. فهم غاضبون من عقوبات السجن الخفيفة التي فرضت على قادة الشرطة ومن أن 28 متهما خرجوا أبرياء. بعد ساعات من تلاوة قرار المحكمة، والتي جرت في جلسة محكمة بلا جمهور ونقلت عبر كاميرا واحدة للتلفاز المصري، واصل مواطنون في القاهرة الاحتجاج خارج وزارة الداخلية، مطالبين باقالة وزير الداخلية، وبعضهم شق طريقه نحو ميدان التحرير. ودعا بعض المتظاهرين الى اسقاط نظام مرسي واعادة النظام العسكري في مصر.
وفي الوقت الحالي يمتنع زعماء المعارضة عن استغلال الاحتشاد الجماهيري والاضطرابات لتحقيق مكسب سياسي ومناكفة نظام مرسي. واكتشفت قوى المعارضة بالذات في المحكمة شريكا مجديا خدم حتى الان مصالحهم وبالتالي فان الانضمام الى المتظاهرين قد يفسر كتشكيك بشرعية السلطة القضائية. ولكن إذا ما تدهورت الامور، فان قرار المحكمة ومباراة كرة القدم سيصبحان ذخيرة سياسية تحتدم قبيل موعد الانتخابات.