عـــزل ريفلـــين: نتنياهــــو يحقـــق انتصــــاراً مدهشـــاً

بقلم: ناحوم برنياع

أحرز بنيامين نتنياهو، هذا الاسبوع، نصرا قياسيا مدهشا محا بضربة واحدة كل الهزائم السياسية التي مني بها في الأسابيع الأخيرة، وهي الضربة التي تلقاها في الانتخابات، وفشل محاولة إبعاد بينيت ولبيد، واستسلامه للحلف الذي عقده هذان الاثنان، وانتكاث الحلف مع الحريديين والانتفاضة التي تلوح نذرها داخل كتلة الليكود. لقد عزل روبي ريفلين.
إن عزل ريفلين علامة طريق تاريخية. تبدل رؤساء الكنيست في الماضي حينما تبدلت السلطة وحينما كانوا يتوفون أو حينما كانوا يفضلون مناصب اخرى. وضع ريفلين الصحي سوي؛ وما زال حزبه يتولى رئاسة الحكومة؛ ويناسبه منصب الرئيس وهو محبوب الى قلبه. لكنه رغم ذلك سيعاقب بالعزل. أخطأ ريفلين خطيئة كبيرة، خطيئة لا كفارة لها، وهي أنه جعل الناس يحبونه.

ليس انتخاب رئيس الكنيست لعبة مفتوحة بل هو اجراء ائتلافي يتم من أعلى الى أسفل. فرئيس الوزراء يُبلغ أعضاء كتلته الحزبية من هو المرشح المقبول عنده، وهم يقبلون الحكم وينقلون الاسم الى الأمام الى الكتل الأخرى المشاركة في الائتلاف، التي يُلزمها الاتفاق الائتلافي ان تؤيد مرشح الحزب الرئيس. الاقتراع مكشوف؛ فلا داعي الى المنافسة ولا مكان لرافضي الاقتراع. ولا يستطيع الائتلاف الذي نشأ من قريب أن يُبيح لنفسه فشلا.

عاد ريفلين في الاسابيع الأخيرة وسأل نتنياهو هل يؤيد انتخابه رئيسا من جديد. وتساءل نتنياهو لماذا يسأل أفليس تأييده لريفلين معلوما؟ وأول من أمس حينما تبين لريفلين ان نتنياهو يعارض انتخابه شعر بأنه مخدوع. وكانت المكالمة الهاتفية التي أجراها الاثنان قاسية جدا.

اذا لم يُرد رئيس الوزراء ريفلين فلن يكون ريفلين رئيسا حتى لو اعتقدت أكثرية اعضاء الكنيست خلاف ذلك. إن ريفلين، الذي يعرف قواعد اللعب أكثر من الجميع، يدرك احتمالاته. وهو لن ينافس على المنصب لا في كتلة الليكود ولا في الجلسة العامة. ولن يبكي مُر مصيره ولن يطلب جوائز عزاء. بل سيكون غضبه عزاءه. ولا يوجد كالغضب الحار الملتهب لتخصيب سياسي.
عرفت الكنيست رؤساء أكثر بلاغة من ريفلين. ولا ينبع الود من أكثر اعضاء الكنيست له من المواقف السياسية التي قدسها، بل هو يستمد من مصدرين: من النزاهة التي أظهرها ريفلين في معاملة اعضاء كنيست من جميع الكتل الحزبية حتى من كتل مُقصاة بسبب النفور منها، ومن قلبه الرحيب.

إن النزاهة مع الجميع وطاعة قواعد اللعب والقانون والدستور أغضبت نتنياهو أكثر من مرة، وأغضبت زوجته أكثر من ذلك. ويمكن أن نتفهمهما فليس من السهل على رئيس الوزراء ان يقف على منصة الكنيست ويتلقى مطر صيحات مقاطعة. وليس من السهل على رئيس الوزراء ان يُخضع ارادته لمواد نائية من الدستور. إن نتنياهو، مثل كل رئيس وزراء، كان يريد رئيس كنيست يكون ولاؤه الشخصي له أكثر من ولائه للكنيست. وهو يرى ان ريفلين عبد الإله غير الصحيح. وزادت زوجته كالمتوقع زيتا على الموقد. فقد جلست في جلسات احتفالية في مقاعد المتفرجين، ونبست بملاحظات بصوت عالٍ تعترض على التسامح الذي يُبديه ريفلين مع خصوم زوجها.

وارتاب نتنياهو في كون ريفلين في الكنيست التي ستنتخب الرئيس القادم أكثر اصغاء لكل عضو ولكل كتلة حزبية. وبدل ان يشل المعارضة سيدعها تعمل كما تشاء. إن احباط انتخاب ريفلين رئيسا يرمي الى احباط انتخابه رئيسا للدولة ايضا. وكان نتنياهو يستطيع ان يغفر خطيئة النزاهة بصعوبة، أما خطيئة الحب فهي أثقل منها.

إن الامر هو أمر نتنياهو لا أمر ريفلين. إن شيئا غير حسن يحدث له منذ اليوم الذي توّجهُ فيه محرر قليل الفهم في المجلة الاسبوعية "تايم" بلقب الملك بيبي. ويبدو ان نتنياهو نفسه هو الوحيد الذي نظر الى هذا اللقب بجدية. فقد أحاط نفسه وأحاط عائلته بآداب الملوك. ونامت المشاعر السياسية ونسب جميع مشكلاته الحقيقية والوهمية الى وسائل الاعلام.

وبدأ يحسد بمقادير شكسبيرية. ونسب نجاح ساسة جدد أفتى منه الى مؤامرة وسائل الاعلام وهي في الأساس مؤامرة صحيفة واحدة. ونسب الحب الذي أثاره لأنفسهم ساسة قدماء مثل ريفلين الى مؤامرة وسائل الاعلام، وهي مؤامرة عليه.

إن الحسد داء لا دواء له. قال أوسكار وايلد، وهو أكثر الأدباء لذعا، ذات مرة انه ليس من الحكمة ان تحب انسانا بائسا، بل الحكمة ان تحب انسانا ناجحا. وقد فشل نتنياهو في هذا الامتحان مرة بعد اخرى.