نهج أوباما الجديد في التعامل مع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي

 

بقلم: باراك رابيد

منذ شهر ينشغلون في البيت الأبيض بتخفيض مستوى توقعات زيارة الرئيس براك اوباما القريبة الى القدس ورام الله. فلن يصار الى الإعلان عن خطة سلام جديدة، ولن يكون ثمة ضغط لاستئناف المفاوضات، ولن تكون ثمة محاولة لعقد لقاء ثلاثي بين الرئيس الاميركي ورئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، والرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) – هذه فقط بعض الرسائل العلنية للناطقين بلسان البيت الابيض.

حاول مسؤولون في الإدارة الأميركية في الأيام الأخيرة أن يتوقعوا كيف سيبدو الحديث المغلق بين اوباما ونتنياهو في منزل رئيس الوزراء في شارع بلفور في القدس مساء الأربعاء، وذاك الذي سيعقد في الصباح التالي بين اوباما وعباس في المقاطعة في رام الله. "لا تتشوشوا"، سيقول لهم اوباما حسب موظفين أميركيين كبيرين يعنيان بإعداد الزيارة، "لم أكف عن الاهتمام بالمسيرة السلمية الاسرائيلية – الفلسطينية. أنا ملتزم باقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل اليهودية مثلما كنت في يومي الاول في المنصب. كما أن معارضتي للبناء في المستوطنات لم تتغير هي الأخرى".

وحسب المسؤولين الأميركيين سيوضح أوباما لنتنياهو ولعباس انه لا يزال معنيا بالمساعدة وبالانخراط في المسيرة السلمية، ولكنه لا يمكنه أن يرغب في هذا أكثر منهما. "رسالة الرئيس في المحادثات الخاصة مع نتنياهو وعباس ستكون أن عليهما أن يظهرا انهما مستعدان للتقدم باتجاه السلام من خلال الأفعال، حيث لا تكفي الأقوال"، قال موظف أميركي كبير، وأضاف: "إذا كان هذا هو الوضع فان الرئيس ووزير الخارجية كيري سيساعدان. وان لم يكن، فانهما سيعنيان بمواضيع أخرى".

النهج الجديد الذي سيحمله معه أوباما الى اسرائيل يشير الى الصحوة بشأن قدرة الولايات المتحدة على التأثير على ما يجري بين اسرائيل والفلسطينيين في الواقع السياسي والإقليمي الحالي. واشار مسؤول أميركي الى أن اوباما فهم بانه كلما دفع وضغط على الطرفين في ولايته الاولى ابتعدا أحدهما عن الاخر. وعلى حد قوله، فان النمط القديم الذي بموجبه تستجدي الولايات المتحدة الإسرائيليين والفلسطينيين للتقدم، لم ينجح ببساطة.

لأول مرة منذ عشرين سنة ملّ الأميركيون ضرب الرأس بالحائط. وهم يعتزمون التوقف عن دفع الموضوع بكل قوتهم. ولم يعد استئناف المفاوضات بين الطرفين الهدف الأسمى في نظرهم. إذا رغب الإسرائيليون، الفلسطينيون، او الطرفان معاً في التقدم فهم يعرفون رقم هاتف البيت الأبيض. الواقع، هكذا يعتقدون في البيت الأبيض، سيملي الخطوات على الطرفين، حتى دون ضغط أميركي. فالعزلة المتعاظمة لاسرائيل، الضغط الدولي، ولا سيما من الاتحاد الأوروبي، التهديد بفرض عقوبات، والخوف من انتفاضة ثالثة، كفيلة في نظرهم بدفع نتنياهو الى التقدم اكثر من أي مبادرة سلام أميركية جديدة.

"على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يقرروا ما الذي يريدون عمله، ونحن سيسرنا أن نساعد"، قال موظف اميركي كبير، "صحيح ان وزير الخارجية كيري يريد أن يكون نشيطا وأن يدفع المسيرة السلمية، ولكن حتى هو لن يجعل هذا مشروعه رقم واحد، إذا رأى أن ليس هناك من يمكن الحديث معه".

وزير الخارجية، جون كيري، الذي سيأتي مع الرئيس اوباما الى القدس والى رام الله، من المتوقع أن يعود الى المنطقة في غضون بضعة أسابيع، في نيسان. ويرغب كيري جدا في أن يدفع الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني، ولكنه على علم بأن إدخال نتنياهو وابو مازن إلى غرفة المفاوضات لن ينتهي بالخير. في مثل هذا الوضع، فان الانفتاح الأميركي على أفكار جديدة كخطوات أحادية الجانب منسقة أو تسويات انتقالية، أكبر.

في اللقاءات التمهيدية التي عقدها مستشار الامن القومي، يعقوب عميدرور، في واشنطن قبيل زيارة اوباما كان الوضع في سورية على رأس سلم الاولويات. ويصل التعاون الاستخباري والعسكري بين اسرائيل والولايات المتحدة، والذي توثق جدا في السنوات الاربع الاخيرة، الى ذروته، حيث يدور الحديث عن متابعة مخزونات السلاح الكيميائي في سورية ومحاولات التصدي لآثار السقوط المتوقع لنظام الاسد في السنة القريبة القادمة.

وفي اللقاء بين وزير الدفاع، ايهود باراك، ووزير الدفاع الاميركي الجديد، تشاك هيغل، في البنتاغون، الثلاثاء الماضي، كانت المسألة السورية في مركز المحادثات. وفي بيان نشر بعد اللقاء تم التشديد على أن باراك وهيغل اتفقا على مواصلة بلورة خطط احتياطية مشتركة معاً لمواجهة امكانية تسرب سلاح كيميائي الى "حزب الله" أو الى منظمات الجهاد العالمي.

ولكن الى جانب الموضوع السوري، ستعنى المحادثات بين نتنياهو واوباما، ولا سيما القسم الثنائي بينهما، بالنووي الايراني. وستكون هذه هي المرة الاولى التي تنشأ فيها لاوباما ونتنياهو فرصة لادارة حديث عميق وجهاً لوجه في الموضوع منذ لقائهما الأخير في البيت الأبيض في آذار 2012.

ويدعي مسؤولون اميركيون كبار بانه في الأشهر الأخيرة، منذ خطاب نتنياهو في الامم المتحدة، تقلصت الفجوات بين البيت الأبيض ومكتب رئيس الوزراء أكثر فأكثر في كل ما يتعلق بالنووي الايراني. والمسؤول عن ذلك هو أساسا مستشار الأمن القومي، يعقوب عميدرور، الذي طور علاقات عمل حميمة مع نظيره الأميركي، توم دونيلون. ويعتبر عميدرور في البيت الابيض جهة تلطف حدة مواقف نتنياهو، او كما قال مسؤول اميركي: "نحن ننام ليلا بشكل افضل عندما يكون هو هناك".

في واشنطن يأخذون الانطباع بان نتنياهو لطّف قليلاً حدة تصريحاته في الموضوع الايراني. فهو يتحدث أقل عن عملية إسرائيلية مستقلة ضد ايران، واكثر عن عملية أميركية. ورغم ذلك، فان اوباما سيرغب في أن يتأكد أين يوجد نتنياهو بالضبط وما هو جدوله الزمني في محاولة للوصول الى تفاهم بشأن المسألة.

ومن الجهة الاخرى، فان نائب الرئيس، جو بايدن، الذي القى خطابا في بداية الأسبوع أمام مؤتمر اللوبي المؤيد لاسرائيل "ايباك" في واشنطن، ووزير الخارجية، جون كيري، الذي منح مقابلات صحافية لشبكات التلفاز الاميركية، ألمحا كلاهما الى تشدد كبير في سياسة اوباما في الموضوع الايراني.

"عندما يتحدث اوباما عن الخيار العسكري فانه لا يخدع"، قال بايدن، واضاف: "هو يقصد ما يقول. كل الخيارات لا تزال على الطاولة". اما كيري من جهته فقال إن جر الأرجل الإيرانية "يزيد خطر المواجهة المحتملة". في لقاء مع مندوبي الجالية اليهودية، الخميس الماضي، في البيت الأبيض أوضح أوباما انه لا يرى حاجة الى "الحماسة الزائدة". ويعتقد اوباما انه لا يزال هناك احتمال للدبلوماسية، وانه يجب ايجاد السلم الذي يسمح للإيرانيين بالنزول بكرامة عن شجرة البرنامج النووي.

ومع ذلك، ففي الادارة الاميركية يوجد احساس بان الرئيس اوباما ينضج أكثر فأكثر نحو الانتقال من الدبلوماسية الى اتخاذ اعمال اخرى. ورغم تعيين الحمامتين المعتدلين تشاك هيغل وزيرا للدفاع وجون كيري وزيرا للخارجية، فان اوباما أصبح بالذات صقرا أشد في الموضوع الايراني. ويشدد مستشاروه المرة تلو الاخرى على ان الرئيس لا يمكنه ان يسمح لايران بامتلاك سلاح نووي في ورديته – ليس بسبب اسرائيل، بل بسبب المصالح الأميركية. الحسم في الموضوع قد يتحقق حتى نهاية 2013.

  هآرتس