راسبتين العصر : فيصل القاسم والاتجاهات المعاكسة

لا أعرف إلى اين سيأخذني هذا المقال، ولن أستغرب عدم نشره. ولكن بين نقاشي الصباحي مع ابنتي في طريقنا الى المدرسة وبين حلقة الاتجاه المعاكس مساء الأمس، بين ايدي كوهين، المحلل الإسرائيلي، ونشأت الأقطش، أستاذ الإعلام الفلسطيني، أكاد أصل إلى التسليم لفيصل القاسم كحقيقة. مشعوذ يحل ألغاز شعوذته من ضعف وهوان وحقد الآخرين. راسبتين من خطر في بالي للحظة، وشعرت بكل جدية بالتعاطف معه والتفهم له.
ما الذي يمكن عمله أمام هكذا مأساة هزلية؟
في القدس ومنذ يومين، حراك متوتر في أرجاء المسجد الأقصى وإغلاق لإحدى بوابات الحرم. إغلاق البوابات صار موضوع اهتمام منذ أحداث الأقصى قبل عامين، واثبات الانسان المقدسي ان القدس يحكمها بالفعل من ينتفض قلبه وكيانه من أجل شرفه. ولكن هذه المرة يبدو ان هناك حالة توقع لاستنفار المشاعر العامة بشأن المكان، ولا يزال الانتظار للحظة تفجر هو رهان المترقبين.
ولنبدأ من الأهم، هل يستحق ما يجري بالأقصى الان حالة الاستنفار المرغوب فيها؟
سأبدأ بالإجابة بلا صارمة، لأن الأقصى لا يمكن ان تكون أغلى من انسان فلسطيني تم طرده من بيته للتو على بعد أمتار من الأقصى ولم يتم استنفار الغضب الشعبي من اجله.
طرد اخر، وسرقة لبيت اخر….
ان لم ينتفض الانسان في القدس عن بكرة ابيه لما جرى منذ يومين من طرد عائلة فلسطينية من بيتها في البلدة القديمة، وما جرى منذ شهور قريبة عند تسليم بيت في البلدة القديمة للمستوطنين وكان البائع والسمسار والمسرب معروفين، وكان اخر مهازل الوضع ان يخرج العطاري الذي باع العقار للجهة الاستيطانية وكأنه رجل وطني يدافع عن القدس عند تسريب أحد مباني المدارس في القدس. منذ تلك اللحظة والتسريب يخرج الى الملأ وتضع الجهات المستعمرة يدها على البيوت بلا خوف ولا جزع او قلق. ولم يخرج الموقف الشعبي والسيادي الفلسطيني عن بعض الشجب ولم يحرك حتى المواطن البسيط مشاعره ساكنا امام اغراء متجر رامي ليفي الذي بني على مستعمرة بقلب القدس ويصنع ويبيع منتجات المستعمرات الخاصة به.
على وتيرة الحدث واهميته، انتهى مؤتمر وارسو الذي توج او أعلن علاقة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، ولم تخرج كلمة شجب واحدة من أي مصدر عربي او فلسطيني رسمي امام الهجمات المتلاحقة على القدس. المدارس يتم أسرلتها بمنهجية اقتربت الى التتويج، البيوت تتسرب على مرأى العين، والعميل صار رمزا وطنيا.
بدأ فيصل القاسم حلقته بسؤال وصفه أنه سخيف ان يتم تداوله، فهل التطبيع الذي كشفه نتانياهو في وارسو حديث؟ ام انه بالفعل تم اعلان موت القضية الفلسطينية وتوحيد الصفوف العربية تحت قيادة نتانياهو ضد قضية جديدة ستكون إيران فيها العدو المشترك؟
سؤال أعادني لحالة التيه الداخلية، لحديثي مع طفلتي الذي كان مليئا باليأس، هل انتهت فعلا القضية؟ وعليه يجب ان نسلم ونستسلم للأمر الواقع ونبدأ بالعيش المتاح بطريقة طبيعية؟ هذا كان ما قاله الصهيوني ايلي ليفي في حلقة المساء، عندما قال بوقاحة: ” المقاومة الفلسطينية احتضرت عندما وقع معنا السادات معاهدة سلام وماتت عندما انتهى حكم صدام حسين….. الدول الخليجية تعرف مصالحها… هناك تطبيع علني، الامارات اخذ اميرها وزيرة إسرائيلية الى المسجد، النشيد الوطني الإسرائيلي عزف بأبي ظبي وقطر….. من باع القضية الفلسطينية؟ الفلسطينيون أنفسهم. شوف الانقسام، شوف الفساد، المساعدات اللي بياخدوها ببيعوها. اذهب وانظر الى الفلل في رام الله. الفلسطينيون يعيشون على التسول من الاونروا…. حماس عصابة إرهابية. لا يوجد ثقافة سلام…القضية الفلسطينية لا تهم دول الخليج التي تريد ان تكون جزء من الثقافة الغربية…القضية الفلسطينية ماتت”
الفلسطيني نشأت الأقطش رد بان القضية الفلسطينية لم تمت: “القضية الفلسطينية باقية طالما هناك طفل عربي او إسلامي يقول هذه ارض فلسطين….. كل الأنظمة العربية لم تكن يوما تدعم القضية الفلسطينية ولكنها كانت تدعم هذا الكيان الهش…الماسونية العالمية وما كتبه زميل الإسرائيلي الموجود على الخط الاخر في مذكراته.”
بين الحديثين تفتت دماغي. فالفلسطيني بدأ بداية مأساوية عندما قال: “إسلامي”؟ اين ذهب المسيحيون؟ الا تعول على العالم المسيحي الذي خرج من ارض هذه البلد المسيح عليه السلام، أين المسيحي في قضيتك الوطنية؟
عند استخدام المتحدث الفلسطيني مصدر إسرائيلي لتثبيت وجهة نظره، فهو بطريقة مباشرة كذلك سلم ببحثهم وقصصهم وما يروجون له من تاريخ، أصر خلال الحلقة على ضحده. عن أي ماسونية يتكلم؟
صدق المتحدث الفلسطيني عندما قال ان الأنظمة العربية والسلطة الفلسطينية هي صنيع الحركة الصهيونية وإسرائيل.
وصدق كذلك عندما قال ما قامت القيامة عليه وتمت المطالبة بإقالته بعد ساعات قليلة من الحلقة، بان منظمة التحرير حصلت في الانتخابات الأخيرة على نسبة ٢٠ بالمئة من التصويت، والسلطة والأنظمة العربية تقدم خدمات مجانية لإسرائيل منذ زمن. وصدق عندما قال ان منظمة التحرير لم تعد تمثل الشعب الفلسطيني.
وصدق عندما قال، ان الاسرائيلي يريد بقاء الأنظمة الحالية والتمسك بها.
وصدق عندما قال ان انتصارات إسرائيل كلها كانت مبنية على الخيانات.
وصدق الإسرائيلي  ايلي كوهين (ربما) عندما عدد ما طلبه محمود عباس من نتانياهو بشأن غزة. بكرهه لحماس أكثر من كرهه لإسرائيل! وصدق كذلك عندما قال ان هناك كتاب اماراتيين، سعوديين، وكويتيين لا يريد ذكر أسمائهم لكيلا تكون شتيمة!
وصدق الصهيوني الإسرائيلي عندما قال انهم في إسرائيل لا يريدون الشعوب، يريدون ولاة الامر لاتفاقات الامن والتجارة.
وصدق فيصل القاسم عندما قال ان التطبيع الحاصل هو تطبيع عضوي منذ عشرات السنين، وعندما قال ان إسرائيل تضخم من موضوع التطبيع لان الشعوب ليست كالحكومات، لا تريد التطبيع مع إسرائيل، وان إسرائيل تحتضن عملائها والتافهين من العرب وتهلل من اجلهم. وحتى على مستوى المشاركة بالبرنامج، ان هناك صعوبة شديدة في إيجاد من يريد التحدث مع الإسرائيلي.
صدقوا جميعا وراهنوا بوفاق ضمني ان الشعوب تبقى هي المعضلة الحقيقية لتغيير قادم.
تغيير تعلو به الصهيونية علوها والأنظمة الحالية، او تنتهي الى زوال مع استمرار استبدادها وسقوط هذه الأنظمة العربية.
وتهاوى الضيف  الفلسطيني عندما أسلم القضية وساوى بما جرى بسورية ونظام الأسد مع ما يجري في مأساة الدول العربية والمنطقة، وعند اتهامه للإسرائيلي بالهروب من الواقع الى التاريخ لتثبيت موضوعه من خلال دافيد، وارجع الفلسطيني التاريخ الى الكنعانيين. اتهامات الطرفين بتزوير التاريخ او تثبيته هوة يسقط فيها الجميع دائما.
وبلا شك، انتصر الإسرائيلي لنفسه عندما استطاع استخدام منبر الجزيرة “بدعوة الفلسطينيين بأن يحملوا بطاقة الاونروا ويهاجروا الى أوروبا، فستنتظرهم جنسيات أوروبية لأن هناك كما قال الفلسطيني ليس هناك من يمثلهم!”
تشبه الحالة هذه، حالة الفلسطيني في القدس الذي يذهب للتبضع من رامي ليفي ويصطف على الدور من اجل الحصول على الجنسية الإسرائيلية. من هذا المكان دخل السرطان الإسرائيلي الى جيناتنا الفلسطينية!
الفلسطيني بالفعل هو طفل يافع تربيه امه على حب تراب هذا الوطن. وهذا بما سيبقى تهديد وجود كيان إسرائيل.
وعلاقة إسرائيل بالعرب، كإعلان رجل علاقة سرية مع امرأة سيئة الصيت والممشى والتزوج بها. فليفرح ويتزوج …ولنتفرج على جمع الخبيثون بالخبيثات.
وسيستمر صدق فيصل القاسم وضيوفه ما دام أصحاب القضية الفلسطينية يلتهون بصراع الفصائل، وضيوفه هناك ليدافعوا عن فصيل امام الاخر، واسرائيلي يمد الجزرة للحمار بقصة موسى ودافيد وارض الميعاد.
وتهاووا جميعا عندما تحولت إيران ضمنيا كالعدو الحقيقي في المنطقة…وحمل إيران مسؤولية انهيار العراق وسورية ولبنان ولم يذكر للحظة الحرب التي شنتها أمريكا في المنطقة في تحالف جعلت قطر من خليجها اهم قاعدة عسكرية لضرب الدول التي يبكي على ضياعها القاسم اليوم. وهنا خرج وجه فيصل القاسم الحقيقي …. راسبتين.