“لوفيغارو”: بن سلمان فشل داخلياً وخارحياً .. أضعفته قضية خاشقجي ومُستقبله بات غامضاً

“لوفيغارو”: بن سلمان فشل داخلياً وخارحياً .. أضعفته قضية خاشقجي ومُستقبله بات غامضاً

زمن برس، فلسطين:  في تقرير بعددها الصادر الجمعة، قالت صحيفة ‘‘لوفيغارو’’ الفرنسية إن قضية جمال خاشقجي كارثية بالنسبة للمملكة العربية السعودية وولي عهدها وللعائلة المالكة بأكملها، مؤكدةً – نقلاً عن مصدر من قلب دوائر القرار السعودي – أن هذه القضية أضعفت كثيراً محمد بن سلمان (MBS) وجعلت مصيره غير مؤكد، في بلد يدفع فيه الخوف إلى الصمت.
المسؤول السعودي الرفيع، قال إن: ‘‘محمد بن سلمان وعد بالكثير، غير أنه فشل تقريباً في كل شيء، بما في ذلك حربه ضد الحوثيين في اليمن وفي حصاره لدولة قطر. كما أن السعوديين الذين كانوا ينتظرون تقدماً في مجال السكن والصحة، لم يروا أي نتائج ملموسة على أرض الواقع. حتى العديد من الشباب الذين أيدوا إصلاحاته في البداية- بما في ذلك النساء، اللواتي تم توقيف وتعذيب بعضهن – فقد أصبحوا منتقدين لسياساته. لكن لا أحد يجرؤ على الكلام.. فالسعودية أضحت كعراق صدام حسين’’.
ففي مطارات العاصمة الرياض ومدينة جدة الساحلية، توجد عشرات الطائرات الخاصة التي لم يعد باستطاعة أصحابها مغادرة الممكلة مع وضع سوار إلكتروني في أرجل بعضهم ومرافقة رجال الشرطة لبعضهم خلال تحركاتهم داخل الممكلة. وفي هذه الأثناء – لايزال أمراء آخرون أو رجال أعمال أقوياء، في باريس أو لندن ويرفضون العودة إلى الأراضي السعودية، خوفاً من أن يتم القبض عليهم، كما حصل مع مئات الشخصيات الذين تم احتجازهم لعدة أشهر في فندق ريتز كارلتون في الرياض نهاية عام 2017. وتميز الاحتجاز بالضرب في بعض الأحيان.
غير أنه، منذ عملية التطهير الواسعة – غير المسبوقة في بلد اعتاد على التوافق بين العشائر الأميرية -لم يعد رجال الأعمال يريدون الاستثمار في بلادهم. أما بالنسبة للشركات الأجنبية فإنها تنتظر وسط تردد كبير. وهنا تبدأ مشاكل محمد بن سلمان. ‘‘فخلال حرب الخليج الثانية عام 1991 وعلى الرغم من سقوط صواريخ سكود على الرياض، إلاّ أن الأموال السعودية لم تغادر المملكة. لكنه منذ عام، أخرج العديد من السعوديين أموالهم من البلاد، بعد فقدانهم الثقة بابن سلمان’’، كما يقول المصدر السعودي، معتبراً أن عودة الثقة مرهونة بمعرفة رجال الأعمال السعوديين، ما إذا كان بن سلمان سَيُغير فعلاً طريقته في الحُكم.
وحسب ما تنقل الصحيفة الفرنسية عن دبلوماسي مقرب من دوائر القرار في الممكلة، فإن بن سلمان قويٌ ومعزولٌ في نفس الوقت داخل الأسرة الحاكمة، والملك الوالد سلمان بن عبد العزيز أخذ بعين الاعتبار هذا المعطى والعداوات الكثيرة ضد ابنه داخل عائلة آل سعود. ومن أجل تهدئة العائلة الحاكمة، قام بالملك بــ‘‘تأطير’’ ولي العهد. وفي هذا هذا السياق، أعطى ضمانات لأخيه الأصغر الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود (76عاماً) الذي وافق على العودة إلى السعودية من شبه المنفى في لندن. كما أن التعينات الأخيرة، بما في ذلك تعيين إبراهيم العساف وزيراً للخارجية ومساعد بن محمد العيبان كمستشار للأمن الوطني، تُبين رغبة الملك في إعادة الثقة في بعض المخضرمين، المقربين من حاشية الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
ووفق نفس المصدر السعودي سالف الذّكر فإن : هــناك رغبة في تقليص صلاحيات محمد بن سلمان، بما في ذلك بالنسبة للملفّين السوري واليمني اللّذين أصبح تقريباً على طاولة مساعد بن محمد العيبان’’ أما بالنسبة لشقيقه الأصغر خالد بن سلمان – السفير السابق لدى الولايات المتحدة – فيلعب أيضاً دوراً متزايداً في الدبلوماسيةالسعودية. لكن واشنطن التي تعتبرُه متورطاً في جريمة اغتيال جمال خاشقجي، لم تكن تريدُه كوزير للخارجية. وبالتالي فإن محمد بن سلمان بات يركز إذن على القضايا المحلية والاجتماعية والاقتصادية، بقرار من والده.
ونقلت ‘‘لوفيغارو’’ عن دبلوماسي فرنسي آخر، قوله إن ‘‘محمد بن سلمان ارتكب خطأ اختيار الأصدقاء و الشاب، مع أنه كان بحاجة إلى محترفين ذوي خبرة. وحتى وإن كانت السلطات الرئيسية مازالت تحت قبضته، إلا أن التغييرات المتكررة على رأس جهاز الحرس الوطني تظهر أن الجميع لا يسير في نفس الاتجاه. فالحرس الوطني، هو جيش القبائل الذي لا غنى عنه لأمن الحدود، وقد اشتكت بعضع هذه القبائل، على غرار: قبيلة عتيبة وعنزة وبني عوف و النوان وغامد وبني جيزان وبني هلال، من اعتقال بعض أفراد وسحب بعض الامتيازات التي تم الحصول عليها كمكافأة على ولائهم لآل سعود’’، كما يظهر في مذكرة دبلوماسية فرنسية’’.
إلى جانب ذلك، رأت ‘‘لوفيغارو’’ أن الملك سلمان – (82عاماً) – سيدعم على الأرجح ابنه محمد حتى آخر نفس. كما أن الابن الوريث يمتلك ورقة أخرى رابحة: ليس لديه منافس، بل إنه نجح في التفاوض على دعم بعض الأمراء مقابل تعيين أبنائهم في وظائف سامية.
لكن المشكل الرئيسي الآخر الذي يواجهه ولي العهد السعودي هو أن ‘‘صورته باتت سيئة في أوروبا وكارثية في الولايات المتحدة. إلا أن الكلمة الأخيرة ستكون للبيت الأبيض: إذا لم يفز ترامب في عام 2020، فإن الرئيس الأمريكي الجديد سيعارض أن يتولى محمد بن سلمان العرش’’، وفق المسؤول السعودي سالف الذكر.
وهذا الرأي يشاطره العديد من الخبراء. ويبدو دعم البيت الأبيض حالياً للرياض هشاً. فمع أن دونالد ترامب بحاجة إلى بن سلمان في حملته ضد إيران ومن أجل هضم العرب لخطته للسلام الإسرائيلي- الفلسطيني (صفقة القرن)، لكن تأخر الصفقات التي وعد بها بن سلمان قد يقود نفاذ صبر ترامب. فخلال زيارة الرئيس الأمريكي إلى الرياض في مايو/أيار 2017، وعده ولي العهد السعودي بعقود بمئات المليارات من الدولار. غير أنه وبعد مرور أكثر من عام ونصف، بلغت العقود الموقعة 14 مليار دولار فقط. وبعد القرار الأمريكي بوقف تزويد مقاتلات التحالف في اليمن بالوقود، تحولت الرياض إلى ‘‘إيرباص’’ لطلب A-330. ولكن في ظل المناخ الخبيث لجريمة اغتيال خاشقجي، فإن الشركة الأوروبية غير متسرعة في بيع أجهزتها إلى الممكلة العربية السعودية.
وبين هذا وذاك، انتهى المطاف بأن ساد عدم الثقة داخل كامل عائلة آل سعود الحاكمة، تقول ‘‘ لوفيغارو’’ مــوضحةً أن عدم الاستقرار في السعودية، بات يقلق حتى جيرانها – خاصة حليفتها الإمارات العربية المتحدة – الذين راهنوا على الأمير الشاب محمد بن سلمان، وباتوا اليوم يتساءلون : هل سيصلُ حليفهم إلى عرش المملكة؟. فإذا اختفى الملك سلمان في الأشهر القليلة القادمة، ماذا ستفعل عائلة آل سعود؟ هل سيجتمع محمد بن سلمانبهيئة البيعة التي تجاهلها عند ما أزاح ابن عمه الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد في عام 2015؟، تتساءل الصحيفة الفرنسية.
وسط هذا المحيط المليء بالغموض ، هناك شيء واحد مؤكد: لقد خلق محمد بن سلمان لنفسه العديد من الأعداء. وسبق لـ‘‘لوفيغارو’’ أن كشفت عن تعرضه لمحاولة انقلاب، تعاقد عبقها مع حراس خاصين من شركة الأمن الأمريكية السابقة بلاكووتر Blackwater. غير أن بن سلمان لا يجهل أبداً ما حصل مع عمه الملك فيصل بن عبد العزيز، الذي قتله أخوه عام 1975 . فهل سيتغير من أجل البقاء؟، تختتم ‘‘ لوفيغارو’’.