أرواحكم الطاهرة ستحيي "البحر الميت" أبداً!

نادين خماش

 لم أدخل خلسة إلى قلب الأم، بل حركتني حواسي البيولوجية لتلمس عضواً بحجم كفة اليد لأم الطفل الغارق والغارق في النوم الأبديّ، لكن كفّيْ يدي احترقتا من البركان الثائر في دمهما.

نار لن تخمدها الأيام والنسيان، فهي وحدها من ستظل تستذكر ولا تريد أن تصدق. فالخبر العاجل الذي تلوّن بالأحمر على شاشات التلفاز وتغطية السيول الجارفة التي جرفت معها أخباراً متتالية جاءت من الأردن الشقيق. خبرٌ سيُسحب بعد حين فالحياة تمضي وكذا معها الأخبار العاجلة، إلا من حملته بين أحشائها ورسمته في عقلها منذ أن أحبّته من النظرة الأولى، كان حبّاً وصار عشقاً وانتهى غرقاً.

 

اليوم أكلّم الأمهات اللواتي فقدن فلذات أكبادهنّ، فأنا صديقتكنّ الصدوقة حتى ولو لم نلتقِ يوماً، لكن الأمومة منحتنا رابطاً أقوى من أن ينكسر كجسر منهار على سيول قاتلة. أكاد أن أغرق معكنّ في حرقة الحدث في حضرة الموت الذي يَقهر الروح ولا يُقهر.
نزلت دمعتك وصرخ هو في لقائكما الأول، وبقي يصرخ أشهراً حتى تعلمتما لغة الآخر وكان جسدك هو الجدار اللحمي الآمن من عالم تعرفين جيّداً وحشيته أحياناً وقساوته. تعذبتِ ليالٍ طوال وعينك لا تنام تراقبين درجات تصعد على ميزان حرارة علّك تكسرينه كلما دقّ حرارة الخطر، انزعجتِ يوماً من صراخه وتكسيره للألعاب وشقاوته وحين يسمع ولا يسمع. كلها لحظات قد تتخطينها أمام الفراق.
كنا نذهب صوب البحر الميت ونتساءل عن موته لكنه حاضراً أمامنا ويزوره العالم من شتى بقاع الأرض، وبالتأكيد ستظل روح الطفل وضحكة الطفلة تلازمك.
أنت لست وحدك، أم الشهيد تواسيكِ وأم الرضيع الذي خرج ولم يعش، وأم المناضل الذي ذهب ولم يعد، وأم المريض الذي أكل المرض جسده.
وكما القول الشهير لو لم تكن الحياة صعبة لما خرجنا من بطون أمهاتنا نبكي.