اسرائيل واكتشاف المكتشف

قبل أن تطلق إسرائيل الصاروخ الذي أصاب سيارة الشهيد أحمد الجعبري معلنة افتتاح المعركة في غزة، كانت تدرك أن لا يوجد حل عسكري لمشكلة إسرائيل في قطاع غزة. لإسرائيل تجربة تاريخية طويلة في الصراع، استخدمت فيه القوة العسكرية من أجل إنهاء الصراع مع الفلسطينيين ووضع حد نهائي له، في كل مرة استخدمت إسرائيل الحل العسكري، فشل في الوصول إلى الحلول التي ترغبها. وفي كثير من الأحوال كانت القيادات الإسرائيلية، تعتبر أن ما لا يحل بالقوة، يحل بمزيد من القوة، وكل ذلك من اجل صرف النظر عن حقيقة الصراع بين الطرفين.

تخوض إسرائيل اليوم حربها الدموية ضد قطاع غزة لأسباب عديدة مثل، القضاء على مخزون الفصائل من الصواريخ، استعادة الردع في مواجهة غزة، ويمكن القول باتجاه العالم العربي الجديد، و غيرها من الذرائع التي يمكن سوقها، بحجة واهية وهي «الدفاع عن النفس».

ولا شك بأن هذه الحجة تسخر من عقول البشر، حيث تعتبر أن غزة تشكل تهديدا لإسرائيل يستدعي الرد الوحشي تحت ذريعة «الدفاع عن النفس» والذي يلقى قبولا من الغرب المتملق والمنحاز.

إسرائيل الدولة التي تملك اكبر ترسانة عسكرية في المنطقة، والتي تعتبر نفسها أقوى قوة عسكرية في دائرة محيطها 1500 كم مركزها القدس، والتي تهدد بمحو البرنامج النووي الإيراني من على وجه الأرض... تعتبر غزة التي تشكل مستودعا للبؤس البشري، والذي تفرض عليه حصارا منذ أكثر من خمس سنوات، يشكل خطرا على إسرائيل يستدعي منها «الدفاع عن النفس»، أي سخرية هذه، وأي وقاحة وأي انحطاط أخلاقي، الادعاء بأن قطاع غزة المحاصر، والذي تتردى فيه أوضاع البشر يوما بعد يوم بفعل الحصار الإسرائيلي يشكل خطرا على إسرائيل.

ليست المرة الأولى التي تتوغل إسرائيل في الدم الفلسطيني ولن تكون الأخيرة، فإسرائيل التي تصرّ أن ترى في كل جزئية فلسطينية خطرا وجوديا، ستبقى تمارس عدوانيتها الوحشية ضد الفلسطينيين، رغم معرفتها بعدم جدوى هذه الوحشية في كسر روح المقاومة عند الفلسطينيين. هذه الروح التي تتغذى من الوحشية الإسرائيلية ذاتها.

كل السلوك الإسرائيلي العدواني، له سبب واحد، أن إسرائيل لا تريد أن ترى الصراع بالمنظور الحقيقي له، انه صراع الفلسطينيين مع الاحتلال ووحشيته من أجل الحصول على حريتهم وحقهم في تقرير مصيرهم على أرضهم، التي لا تعترف إسرائيل أنها أرضهم أصلا. إنها معركة الفلسطينيين في الحصول على ارض وطنهم لممارسة حريتهم عليها، بعيدا عن أوهام إسرائيل بالمخاطر الوجودية التي يشكلها وجود الفلسطينيين على وجه الأرض من حيث المبدأ.

اليوم، تكرر إسرائيل عدوانها على غزة، ستنتهي هذه المغامرة الإسرائيلية الحمقاء سواء باجتياح بري أو بدونه، وسيُستشهد فلسطينيون من جديد، وسيعود الفلسطينيون لمراكمة القوة المتواضعة من جديد، وسيسعون بكل ما في وسعهم للمس بالأمن الإسرائيلي، وستعود إسرائيل لتكرار السيناريو ذاته بعد عامين أو ثلاثة، مثلما تكرر الآن سيناريو العام 2008 / 2009، وسيبقى هذا الوضع طالما إسرائيل تضع راسها بالرمل، وطالما هي غير جاهزة لحل أساس المشكلة، بإنهاء الاحتلال والكف عن التحكم بحياة الفلسطينيين،وطالما انها تحاول سرقة موقع الضحية من الفلسطينيين.

سمير الزبن