لك الله يا غزة

لك الله يا غزة...في هذه اللحظات القاسية وطبول الحرب تدق على ابوابك وازيز الرصاص يعزف موسيقى رقصة الموت لا يزعجه سوى دوي الطائرات وصوت الانفجارات والدخان واللهب المنبعث من الارض رافعاً ألسنته نحو السماء.. لك الله يا غزة حين تصبح شربة الماء النقي مطلباً لا يساويه في النقاء سوى طلب الشهادة... وحين تعطر الهواء رائحة الدخان والغبار وزقزقة الحمام الهارب يبحث عن مأوى آمن فلا يجد...

لك الله يا غزة..يا حاضنة اليتامى والأرامل ويا من تفتح ذراعيها لتضم في اعماقها جثث من سقطوا ومن سيسقطون! لك الله يا غزة فقد أدميت القلب وانت في حجم باقة الورد وأشواكك تدمي اليد التي تمتد عليها... لك الله يا غزة...ويكفيك ان لك الله ونعم المولى ونعم الوكيل، لك الله يا غزة وليقل ابناؤك الواحد منهم للآخر...لا تحزن ان الله معنا...! العاصفة الهوجاء تشتد ويد الظلام تمتد قاسية تحاول حرق الاخضر واليابس، وتقتل الحي والميت الذي تظنه لا زال حياً وتزرع الدمار والخراب في كل مكان...

هل كان هذا قدراً مقضياً؟!...وهل تنفع هنا مقولة لا ينفع قدر من حذر ام ان القدر واقع كان المفر منه امراً ممكناً؟ الانباء تتوالى عن قصف وشهداء من الاطفال والشيوخ والنساء، وعن استهداف لكل المباني الحكومية وفي محيطها البيوت والناس المروّعين خوفاً وذعراً دون ذنب اقترفوه... كان يمكن لكل ما يحصل الان، ان لا يحصل لو انهم ادركوا بأن الحق لا يضيع وان الاستكانة والقبول بالضيم ليست من شيمنا ولا من عاداتنا الاصيلة..

وان الحرب ليست هي الحل! كان يمكن لكل ما يجري الان ان لا يجري لو انهم ادركوا بأن ظلم شعب والتنكر لحقوقه وسلبه حريته لن يعود عليهم الا بالخوف والذعر ولن يجر عليهم سوى الويلات. نحن شعب يحب الحياة ويعشق ويطرب ويغني ويتألم ويبكي ويرقص ويسهر ويقلق شأنه شأن الانسان من كل لون ومذهب وقومية. ونحن ايضاً لا نركع ولا نستسلم ولا نفرط بحقوقنا مهما طال الزمن او تنكر او قسا علينا...فلا نركع الا لله! في هذه الارض متسع للجميع فالكرة الارضية شاسعة واسعة مترامية الاطراف ولكنهم أبوا الا ان يحاولوا اقتلاعنا من ارضنا وزجنا في صراع معهم لن نكون فيه نحن الخاسرون.

غزة اليوم ساحة قتال يمطرونها بالحديد والنار من السماء والبحر والارض فهل سيأتي لهم ذلك بالامن الذي ينشدون؟ لقد حاولوا ذلك قبل اربعة اعوام ولم ينجحوا...وسيحاولون الان ولن ينجحوا وقد يحاولون مجدداً في غد ليس ببعيد ولن ينجحوا طالما ظلوا عاجزين عن فهم المعادلة البسيطة، وهي انه لن يضيع حق وراءه مطالب، وان المشكلة السياسية لا تخضع للحل العسكري وان اقصى ما يمكن ان يحققوه اليوم هو مجرد تأجيل موعد المواجهة القادمة...

كان بالامكان الاعتراف بأن من حقنا كشعب فلسطيني ان نعيش بأمن وأمان على ترابنا الوطني شأننا شأن كل شعوب العالم.. ولكنهم ابوا وغرهم الغرور وانصاعوا لشهوة الحرب والانتصار ونسوا ان التاريخ عرف شعوباً كثيرة استهوتها نزعة الحرب وشهوة الانتصار، فظلت تزحف وراء بريقها الزائف الى ان اكتشفت انه سراب فلقيت الله عنده فوفاها الحساب.. دموعي مع كل الذين سقطوا...ومع الذين هم بيننا ولا يعرفون انهم مشاريع شهادة سيرحلون عنا في الساعات والايام القليلة القادمة لا لذنب اقترفوه الا لانهم فلسطينيون يعيشون في غزة هاشم..في الارض التي اقسمت ان تعيش بكرامة.. أترحم عليهم جميعاً..وأسأل الله لهم الرحمة...وأقول بثقة لك الله يا غزة!

جريدة القدس