لماذا لن توقف السلطة التعاون الأمني؟

دأبت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وعلى لسان العديد من رموزها، وكمخرجات للعديد من اجتماعات أطرها، على الترديد والإعلان عن نيتها أو قرارها بوقف التعاون الأمني مع الاحتلال.
جرى ذلك عقب العديد من المواقف المحرجة والمهينة التي تعرضت لها السلطة جراء المواقف والممارسات والقرارات الصهيونية وحتى الأمريكية ضد الشعب والقضية الفلسطينية، بما يُعد تنكراً وتنكباً عن مسار التسوية السياسة والاتفاقات البينية؛ والتي كان آخرها القرار الأمريكي تجاه القدس.
موضوع وقف التعاون الأمني هو ورقة سياسية تلوح بها السلطة تكتيكياً باتجاهات متعددة، على رأسها ومن أهمها الاتجاه الداخلي الجماهيري، بهدف احتواء وامتصاص موجات الغضب الشعبي الناتجة عن الإجرام الصهيوني، والذي يقابله مواقف هزيلة من السلطة لا ترقى إلى طموح الجماهير ولا إلى مستوى الحدث. وبالتالي يأتي التلويح بهذه الورقة في هذا الإطار تحديداً دون أن يتجاوزه إلى التنفيذ الفعلي لهذه التوجهات أو حتى القرارات التي توجه مباشرة ضد المحتل، بما لا يعدو كونه مناورة سياسية لا تغيراً استراتيجياً.
وهذا التقدير ينطلق من العديد من الموانع والأسباب التي تجعل من عملية وقف السلطة الفلسطينية للتعاون الأمني مع الاحتلال الصهيوني أمراً غاية في الصعوبة والتعقيد ضمن السقوف التقليدية للسلطة، ومن ذلك:
التعاون الأمني هو جزء أساسي من اتفاقية أوسلو التي تقوم عليها ونشأت بموجبها السلطة، والتي تُنظم العلاقة بينها وبين الاحتلال، سيما في البعد الأمني، وهو البعد المتبقي والمحافَظ عليه من الاتفاقية من قبل الطرفين.
تُشكل الخدمات الأمنية التي تقدمها السلطة لإسرائيل أهمية بالغة في معادلة الأمن الصهيوني، سيما في الضفة الغربية، لذلك يحافظ الاحتلال على تقوية السلطة أمنياً رغم أنه يعمل على إضعافها سياسياً.
تدرك السلطة تماماً أن مصيرها وضمان وجودها من قبل الاحتلال؛ هو في استمرارها بتقديم الخدمات الأمنية لضمان سلامة جنوده ومستوطنيه، فكما ورد عن العديد من المسؤولين الصهاينة؛ فإن القناعة لديهم "أن التعاون الأمني يحمي عباس أكثر من إسرائيل".
التعاون الأمني هو أحد الأثمان الذي تدفعها السلطة، والمرتبط بدورها الوظيفي الذي تؤديه للاحتلال؛ مقابل ضمان تدفق التحويلات النقدية لخزينة السلطة سواء من الاحتلال عبر نظام المقاصة، أو من الدول المانحة بضوء أخضر صهيوني، ووقف هذه الأموال يعني الانهيار الفوري للمنظومة المالية للسلطة.
مسألة رفع السلطة لقبضتها الأمنية عن شعبها في الضفة، وتخليها عن التعاون الأمني مع الاحتلال؛ سوف يعطي فرصة لاشتعال الانتفاضة ويسمح للمقاومة بالتصاعد، ما يعني استعادة قوة حركات المقاومة وعلى رأسها حماس، الخصم السياسي الأهم للسلطة، وهو في حسابات السلطة كأنها تُطلق الرصاص على رأسها. من هذا المنطلق يُعد التعاون الأمني مصلحة مشتركة بين السلطة والاحتلال.
سيتم رفع الغطاء الدولي سياسياً ومالياً عن السلطة في حال تخليها عن الدور المنوط بها بموجب الاتفاقات المرعية دولياً وأمريكياً.
في الشق الأمني ثمة مستويات من التعاون والتنسيق لا يمكن الإعلان عنها والبوح بها، مع إمكانية البوح ببعضها، والتي تُعتبر محدودة الأهمية، والأهم من ذلك أن كثيراً مما يُصرَّح به للجمهور ويُلقى به للإعلام؛ يُمارس خلافه، بناءً على الارتباطات والمصالح الأمنية السرية.
قد يتم أحياناً وفي لحظات التوتر والحرج الشديد؛ تخفيض مستوى الاتصالات، سيما في شقها السياسي المعلن، دون أن ينسحب ذلك على المستويات الأمنية المفصلية.
لذلك كله لا أعتقد أن التوجهات والقرارات التي صدرت أو التي قد تصدر عن السلطة أو المجلس المركزي للمنظمة في هذا الاتجاه، هي توجهات جادة وحقيقية بقدر ما هي حركات استعراضية لأغراض المناورة والتلهية وتلافي الغضب الجماهيري.