جريمة غير مسبوقة تستوجب إجراءات غير مسبوقة

الجريمة التي ارتكبها عنصران، الخميس المنصرم السابع عشر من الجاري، ونعتهما بسرعة جماعة داعش بولاية سيناء، تنطوي على العديد من المؤشرات الخطيرة، التي ينبغي أن تكون أشعلت الأضواء الحمراء لدى أطراف عديدة، بما في ذلك وأساسا المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة. إذا كانت مسألة هروب عناصر متطرفة من خلال الأنفاق للالتحاق بداعش أو أخواتها، وقد قتل العديد من هؤلاء في سوريا والعراق وسيناء، إذا كانت هذه المسألة معروفة للجميع، فإن إقدام بعضهم على عمل انتحاري، يستهدف حاجزا لعناصر الضبط الميداني، فهذه جريمة غير مسبوقة.
الفكرة ذاتها، بأن يفجر فلسطيني نفسه مستهدفا فلسطيني آخر مهما كانت صفته، هي فكرة لا يمكن اعتبارها مسألة عابرة واستثنائية. منذ فترة ليست قصيرة، والبعض يحذر بالهمس، من احتمال قيام بعض الجماعات التكفيرية المتطرفة الإقدام على أعمال تفجيرية في بعض الأماكن المكتظة بالناس في قطاع غزة. لم تكن ظاهرة الشيخ عبداللطيف موسى في رفح، الذي واجهته حركة حماس بالقوة، ظاهرة فريدة أو استثنائية، فما كان له أن يجرؤ على إعلان قيام إمارة إسلامية في رفح، لولا أن قراءته للمناخ الاجتماعي العام في القطاع، كانت لتسمح له بالإقدام على ما أقدم عليه. ظاهرة الشيخ موسى كانت ظاهرة مسلحة، لكن مقدماتها كانت ظاهرة دعوية، تقوم على استغلال الدين لحشو أدمغة الشباب بالأفكار المتطرفة. من المؤكد أن حركة حماس كانت ستقوم بإجراءات ملاحقة واعتقال لعناصر السلفية الجهادية، كرد فعل على جريمة يوم الخميس، غير أن مواجهة ظاهرة التطرف وحماية المجتمع الغزي، من هول ما ينتظر تحتاج إلى مراجعة جريئة وشاملة للأسباب التي أدت إلى نشوء وتكاثر العناصر المتطرفة. لقد اجتهدت حماس في تأكيد طبيعتها التحررية، والتخلص من تهمة الإرهاب التي تتعرض لها من قبل أطراف عربية ودولية وبالطبع إسرائيلية، لكنها اليوم أمام امتحان مهم وخطير لإقناع الآخرين لما ترغب أن يقتنعوا به، وهو حق لا جدال فيه من وجهة نظر فلسطينية. بعد قراءة البيئة الاجتماعية التي تشكل حاضنة قوية لنشوء التطرف بكل أشكاله فقد أخطأت حماس حين اتاحت المجال للنشاط الدعوي، لجماعات وعناصر غير معروفة الهوية السياسية والتنظيمية، ولمجرد أنها تلهج بلغة الإسلام. الجهاد الإسلامي تنظيم وطني ويقوم بواجبات دعوية، لكنه تنظيم فلسطيني معروف ومعرف، وله هوية واضحة، وبرامج وأهداف واضحة، وأساليب في الكفاح معروفة. والحقيقة أن الأمر لا يتوقف على السماح لجماعات وعناصر الدعوة السلفية ممن لا يملكون هوية واضحة، وإنما تتحمل حماس ذاتها مسؤولية كبيرة عن خطابها التكفيري الذي أنتج سياسةً لا علاقة لها بالشراكة، ولا بالاعتراف بالآخر، ولا بقيم وأليات الديمقراطية.
لقد عبأت حماس عناصرها بفكرة التحرير والقتال والتضحية بالنفس بدون أن تأخذ في الاعتبار كونها حركة سياسية في الأساس. إن كون حماس حركة سياسية تحررية يلقي عليها بمسؤوليات تتطلبها الممارسة السياسية خصوصا، بالنسبة لحركة كبيرة تسيطر على قطاع غزة، وتتحمل مسؤولية إدارة مجتمع يضج بالعمل السياسي وبالتنوع، لكن هذا على الأرجح لم يكن مفهوما لدى عديد المقاتلين الذين جرت تعبئتهم على أساس مختلف. في هذه الحالة وبسبب هذا التناقض تزداد العناصر المتطرفة التي تبحث عن ذاتها كما تشكلت وترفض المظاهر المرافقة للعمل السياسي وموجبات الحكم، وعدم قدرة الحركة على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، كفكرة جوهرية جرى حشو أدمغتهم بها. المهمة الملقاه على حركة حماس كبيرة، ومن دروسها المباشرة أن الجريمة التي وقعت، تؤكد مصداقية وجدية حماس في تنفيذ التفاهمات التي أبرمتها في القاهرة، وإلا لما أدى يأس العناصر التكفيرية من إمكانية الخروج إلى ارتكاب هذه الجريمة. وفي المقابل فإن هذه الجريمة، تؤكد أن أولوية العناصر التكفيرية، ليست العدو الإسرائيلي إذ تبدو إسرائيل على أنها الدولة الوحيدة المحصنة والمرتاحة إزاء نشاط داعش وأخواتها. لا يمكن للتاريخ أن يغفر لأي جماعة إسلامية سياسية أو دعوية، اختيارها لأولويات لا يقف على رأسها الكفاح ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي يستبيح حقوق الفلسطينيين و العرب والمسلمين وأرضهم ومقدساتهم. ولعل حماس تدرك ذلك من خلال تجربتها الخاصة. لقد اختارت حماس بقصد أو لأسباب أخرى أن تنفرد بسيطرتها على قطاع غزة، في ظل ظروف غاية في التعقيد، وبالتالي عليها أن تتحمل المسؤولية عن الأمن والأمان للسكان الذين يقعون تحت سيطرتها وحكمها، وبداية المعالجة السليمة يفترض أن تكون من حماس التي عليها أن تجري تبديلات جذرية وحقيقية في خطابها وفي تعبئتها الداخلية وفي رؤيتها وسلوكها الوطني العام وعلاقاتها وتحالفاتها.