نميمة البلد: انقلاب حماس

وثيقة المبادئ والسياسات العامة التي اصدرتها حركة حماس الاثنين الفارط عبرت عن تطور هام في الفكر السياسي لحركة حماس خاصة من ناحية اللحاق بركب منظمة التحرير في موضوع الحل السياسي بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 في إشارة واضحة للواقعية السياسية المنسجمة مع البحث عن الممكن والمستطاع في ظل موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية، أو وفقا للمصطلح الفلسطيني مرّحلة النضال الوطني. ومن ناحية ثانية مغازلة الدولة المصرية بالابتعاد عن حركة الاخوان المسلمين المحظورة دون التخلي عن المرجعية الدينية للحركة. والناحية الثالثة تمثلت بإعادة النظر في طبيعة الصراع من صراع ديني مع اليهود، وفقا لميثاق 1988، الى صراع سياسي مع الاحتلال الإسرائيلي. أما الناحية الرابعة فتتمثل بعقلة أدوات المقاومة "النضال" فلم تعد المقاومة المسلحة هي الأداة الوحيدة بل أصبحت أحد وسائلها أو اساليبها واستخدامها يعتمد على إدارة الصراع. والناحية الخامسة النص على الشراكة الوطنية وقبول الاخر بما يعزز وحدة الصف والعمل المشترك.
أٌدرك حجم النقد الموجه لهذه الوثيقة من "الخصوم السياسيين" سواء في توقيت اعلان الوثيقة أو الفترة الزمنية الطويلة التي استغرقتها حركة حماس للوصول لما وصلت اليه منظمة التحرير الفلسطينية؛ في العام 1974 ببرنامج النقاط العشرة ومن ثم وثيقة الاستقلال عام 1988. أو حجم الاقتراب ما بين نصوص وثيقة المبادئ والسياسيات لحركة حماس ونصوص المنطلقات الفكرية لحركة فتح التي بقيت دون تغيير منذ العام 1965 رغم التغيير الكبير في البرامج السياسية. الفرق هنا أن حركة فتح تعتمد على منظمة التحرير باعتبارها الدولة في تقديم الالتزامات دون المساس أو دفع ثمن التحولات السياسية فيما حركة حماس تقدم نفسها من خارج الدولة. الامر الذي يحتاج الى إعادة النظر في قراءة الثابت والمتحول كما أن هذا الأمر يحتاج بكل تأكيد الى نقاش أوفر ومكان أوسع ليس مكانه هذا المقال. فهذا ليس مخصصا لتحليل الوثيقة المعلنة أو رصدا لثغرات فيها.
 تمثل المعالم الخمسة، وهناك أخرى غيرها في الوثيقة، التطور المركزي في وثيقة المبادئ والسياسيات العامة التي اعلنتها حماس. في المقابل سقطت حركة حماس في الامتحان الأول بانقلابها على مضمون الوثيقة كأنها تقول ما تم من تطور أو تحول في الفكر السياسي لا يتم تطبيقه في قطاع غزة جازمة في فعلها الاختلاف بين النظرية والتطبيق، فقد انقبلت أجهزة حماس الأمنية على نص وروح الوثيقة المعلنة في أقل من أربعة وعشرين ساعة باعتقال عدد كبير من كوادر ونشطاء حركة فتح في القطاع، هذا الانقلاب جاء اعتداء على "عَصَبِ" الروح للفلسطينيين وهم أسرى الحرية المضربين عن الطعام.
الوثيقة والانقلاب قد يُفسران أمران؛ الاول أن خلافات داخلية جوهرية تعصف بحركة حماس بين تيارين رئيسيين ترى بالوثيقة تفريطا وتنازلا عن ميثاق حركة حماس وذلك يظهر من التفسيرات المختلفة التي يعرضها قيادات وكوادر مختلفة في حركة حماس للوثيقة. والثاني انتخاب يحيى السنوار "الرجل القوي في غزة" رئيسا لمكتب السياسي في قطاع غزة خوفا من انشقاقات داخلية متوقعة حينها تضرب الحركة بعد التحولات الواردة في وثيقة المبادئ والسياسات العامة.