حرب الأرحام

أشارت إحدى الإحصائيات مؤخرا إلى التفوق العددي لمن قالت بأنهم من غير اليهود بالمقارنة مع اليهود في الأراضي المقدسة الممتدة من البحر إلى النهر، في دلالة واضحة على ما تخشاه إسرائيل من ما تسميه بالقنبلة الديمغرافية السكانية والغلبة الفلسطينية على السكان اليهود من حيث العدد ونسب المواليد.

وحرب البطون أو الأرحام هذه قد قضت مضاجع المئات من أبطال الدولة العبرية بشكل لا تخلو أدبياتهم من إشارة واضحة لها كوضع تراه إسرائيل خطرا داهما ومحدقا يتربصها.

الواضح في الأمر أن بعض المحللين قد أشاروا إلى كون هذا الواقع يعكس مآل الأمور في حين نجح المنادون بالدولة الواحدة في تحقيق مرادهم وما بعكسه هذا الأمر من حتف سيواجه إسرائيل في المستقبل القريب.

الغريب في الأمر أن المنادون بالدولة الواحدة قد تواروا عن الأنظار بعد هذه الإحصائية وكأنهم يخشون التطرق لحرب البطون التي قد تكشف بعض النوايا. حقيقة الأمر أن الزيادة السكانية الفلسطينية لم تكن أمرا ارتجاليا ولم تكن أمرا منظما أيضا وإنما كانت ومازالت ولو جزئيا ثقافة سائدة وشائعة بصورة كبيرة رغم تقلص هذا الأمر في المدن الكبرى جراء ارتفاع التزامات الحياة وتكاليفها ومتطلباتها بفعل الحداثة والتطور الصناعي ونتائج العولمة المتصاعدة من حيث المخرجات والظواهر. لكن النسيج الفلسطيني المحافظ ما زال يرى أهمية التمدد السكاني وازدياد حجم العائلات لاعتبارات سياسية وقبلية وعشائرية أحيانا.

فرغم معالم العصرنة وتكاليفها إلا أن الديوان ما زال الحاضر الأكبر في الحياة العشائرية باعتباره الحاضن الجامع لأبناء الأسرة الواحدة خاصة في المناسبات الاجتماعية أو الأزمات أو حتى التشاور والحشد الانتخابي. لذلك مواجهة لحرب الأرقام يتجه الفلسطينيون باتجاه تكثيف حضورهم العددي الأسري رغم شح الموارد وما تحمله الحياة من صعوبات والتزامات وأعباء وضيق في الحال الاقتصادية.

كما أن الله حاضر دائما في التوكل عليه خاصة عندما يسأل الفلسطيني عن سبل الرزق ومدى القدرة على التربية والتنشئة وتحمل مسؤوليات الحياة مع كثرة الأبناء مستخدما مصطلحا فلسطينيا شائعا هو: الله بيبعث! سواء كانت العقول تخطط لحرب الأرحام أم لا فإن استدامة الإحصائيات وخاصة في إسرائيل يؤكد ارتعاد الدولة العبرية وماكنتها العسكرية من ارتفاع عدد الفلسطينين رغم محاولتها اليائسة لسد العجز السكاني باستقدام مزيد من اليهود ورغم توفر لتر واحد من الماء لكل فلسطيني بالمقارنة مع ثمانية لترات لكل إسرائيلي ورغم تدني متوسط دخل الفلسطيني بالمقارنة عن دخل الإسرائيلي الذي يفوقه بثلاثين ضعفا سنويا ورغم التهجير والقمع وسرقة الأرض والمال والسجن والبطش.

إن الأرحام الفلسطينية ستبقى خطرا يؤرق الدولة العبرية وسيبقى بالنسبة لها بمثابة القنبلة التي تفوق في الخشية منها قنبلة نتينياهو الشهيرة التي أبرز صورتها في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة... فهل تصبح الأرحام أكثر " تخويفا" من خطر الأسلحة الفتاكة؟ سؤال ستثبته الزمن والتجربة وربما المزيد من الإصرار!