اسرائيل تسطو على الغاز المصري!

هاني حبيب _ خاص زمن برس

في خطوة غير مسبوقة , ينظر القضاء المصري في دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة , للمطالبة بالغاء قرار وزير البترول في أول يناير الماضي باعتبار حقل الغاز " أفروديت " يقع في المياه الإقليمية الإقتصادية لجزيرة قبرص بالإضافة إلى وقف الإستيلاء على الغاز من حقلين "لفياثان وشمشون" من قبل إسرائيل هذه الدعوى رفعها ممدوح حمزة , الناشط السياسي والمهندس الإستشاري وصلاح الدين سلامة , لواء أركان حرب متقاعد والمحامي عادل أشرف , مطالبين بإصدار حكم يلزم إسرائيل بعدم التنقيب في الحقلين المذكورين والتأكيد على عدم عزم مصر توقيع عقوبات على الشركات التي تنقب على الغاز والبترول في الحقلين وإتخاذ الأجراءات القانونية لتنفيذ ذلك .

جاء في الدعوى المذكورة أن حفر إسرائيل لفياثان وإعلان إكتشاف الغاز فيه قبل عامين يشكل إعتداء على المياه الإقتصادية المصرية , إذ يقع هذا الحقل شمال مدينة دمياط على مسافة 188 كيلو متر , بينما يبعد عن حيفا 235 كيلو متراً , بينما يبعد حقل شمشون عن مدينة 144كيلو متراً , وعن حيفا 337كيلومتراً . ويشكل هذا الأمر , حسب الدعوى , خرقاً لإتفاقية كامب ديفد والتعدي على حقوق مصر في مياهها الإقتصادية الخالصة .

والواقع أن عدداَ من الخبراء المصريين كانوا قد أعربوا عن دهشتهم لقرار وزير البترول المشار إليه , ذلك ان الحدود المائية بين مصر وقبرص تعتبر حدوداً " متنازع عليها" طالما ليس هناك إتفاقية بين البلدين لترسيم الحدود بينهما , كما هو أيضاَ شأن ترسيم الحدود بين مصر وإسرائيل الأمر الذي ترك لهذه الأخيرة العبث بالمصالح المصرية , خاصة بعدما أقدمت إسرائيل علي عدة إتفاقات مع قبرص تمكنها من التنقيب من الغاز في ابار ما تزال في مناطق يفترض أنها" متنازع عليها " في ظل تقاعس كل من وزارتي البترول والخارجية في مصر عن إيلاء هذا الأمر الأهمية المطلوبة .

ومن المستغرب أن مصر لم تحرك ساكنا ً إزاء التعديات الإسرائيلية الواضحة والمباشرة على الحدود المائية المصرية , قامت بالفعل بالتنقيب على الغاز مستندة إلي تفاقياتها مع كافة الدول المحيطة بالتنقيب في المنطقة المائية , بإستثناء مصر , وبالفعل تم إكتشاف يقدر ب 220 تريليون قدم مكعب من الغاز بما يوازي 14 ضعفاً مقارنة بالإحتياطي المصري بقيمة 700 مليار دولار , لم تفعل مصر ما أقدمت عليه تركيا , التي إعتبرت الشركات التي تسهم في عمليات التنقيب في المناطق المتنازع عليها , تضحي بعلاقاتها الإقتصادية مع أنقرة كما تعرض منشآتها للخطر بإعتبار أن ما تقوم به غير قانوني ويأتي في إطار القرصنة والإستناد إلي القوة وليس إلي الشرعية الدولية .

الدكتور رمضان أبو العلا , أستاذ هندسة البترول بجامعة فاروسى بالإسكندرية إعتبر موقف وزارتي البترول والخارجية متخاذلاً في مواجهة إسرائيل , مما أدي إلي عبث هذه الأخيرة و فرض سيطرتها وهيمنتها على المنطقة الإقتصادية الواقعة على الحدود المصرية, رغم أن موقف إسرائيل بالغ الضعف خاصة أنها لم توقع على إتفاقية الأمم النتحدة لقانون أعالي البحار.

مع ذلك فإن مصر طرحت عدة مناطق بحرية للتنقيب عن الغاز , غير أن عدم ترسيم الحدود بشكل واضح سيؤدي إلي عدم إقبال الشركات الكبرى على القيام بعمليات التنقيب بعدما عقدت إسرائيل إتفاقيات مع كل من قبرص واليونان , بموجبها تقوم إسرائيل بحماية وأمن مناطق التنقيب بعد السماح للطائرات والغواصات البحرية الإسرائيلية وفقاً لهذه الإتفاقيات بالتحليق والغوص في المناطق المائية المشار إليها , الامن وليس القانون , مع أن الموقف التركي قد أدي إلي تراجع بعض الشركات عن القيام بهذه المهمة , غير أن الأمر مختلف مع الأبار في المناطق المتنازع عليها على الساحل الفلسطيني القريب من الحدود مع مصر .

والواقع أن الخطوات الإسرائيلية بهذا الصدد تجد تشجيعاً واضحاًمن قبل الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي , ذلك ان هذه الدول تأمل من خلال اكتشافات الغاز المتتالية في البحر المتوسط ما يعزز ما يعزز إعتمادها على إسرائيل بشكل خاص كدولة مصدرة للغاز بديلاً عن الغاز الروسي, بما يجعلها تلعب دوراً سياسياً وإقتصادياً يمكنها من تغيير خريطة المواقف السياسية في المنطقة ( اليوم السابع 29 مايو 2012 ) . إن دخول إسرائيل نادي الدول المصدرة للغاز سيجعلها أكثر قدرة على إقامة شراكات إستراتيجية مع القوي العالمية المؤثرة , ليس فقط الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي , بل ومع الإتحاد الروسي من خلال إرساء شراكة معه تقوم على التعاون في مجال إيجاد أسواق مشتركة للغاز .

من اللافت أن إسرائيل قامت بالفعل بخطوات عملية على صعيد تسويق الغاز قبل إستخراجه, فبعد أن إضطرت إيران تحت ضغط العقوبات الإقتصادية من الدول الغربية على فسخ عقود وتوريد الغاز من الهند , أرسلت إسرائيل وزير ماليتها يوفال شطاينتس إلي نيودلهي وعرض على المسؤولين الهنود قيام إسرائيل بسد العجز الناجم عن توقف إمدادات الغاز الإيرانية إلى الهند تم فعلا ً تشكيل لجنة مشتركة لهذا الأمر. لا شك أن الدولة العبرية تستثمر عدم الإستقرار في مصر كي تسطو على مقدرات الشعب المصري في إطار الحدود المصرية , مما يمنح الدعوى المشار إليها, أهمية بالغة لجهة وقف هذا الإحتلال من جهة , والإحتكام إلى القانون الدولي عبر الزام إسرائيل بالتوقيع على قانون اعالي البحار الدولي، وإجبارها على ترسية الحدود البحرية وعدم إجراء أي تدخل قبل ذلك؟!