عملية القدس الاستشهادية.. ارتداداتها ودلالات الإعلان عنها

بقلم: 

في سابقة لم تحدث منذ سنوات، أثار انفجار حافلة ركاب اسرائيلية في القدس المحتلة، جدلاً واسعاً في الأوساط الاسرائيلية؛ الأمنية والسياسة، وفي الأوساط الاعلامية بمختلف توجهاتها، لقد اعتقدت سلطات الاحتلال أن الانتفاضة الفلسطينة الثالثة والتي انطلقت من مدينة القدس لأسباب عديدة أهمها الاعتداءات المتكررة والاقتحامات للمسجد الأقصى، قد تم السيطرة عليها بصورة كبيرة إذ تقلصت أعمال الطعن والدعس إلى أدنى مستوياتها.

ومن هنا فإن الهدوء الذي سبق عملية القدس، كان هدوءاً مثيراً للشكوك حسب الكثير من الخبراء والمحللين والقادة الأمنيين، والسبب في ذلك أنّ الأسباب التي انطلقت من أجلها هذه الانتفاضة؛ لم تتلاشى فما زال المستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى وبوتيرة  تزيد شيئاً فشيئاً بعد هذا الهدوء، إضافة إلى التضييق على المصلين ومنع الناشطين منهم من الدخول لساحات المسجد الأقصى، والقيام باعتقال بعض المرابطين داخله وفرض الغرامات المالية لتحريرهم.

لا شك بأن هذه الانتفاضة اتسمت بالروح الفردية والعمل الأحادي، بحيث شكل كل شاب أو فتاة خلية منفردة من حيث الاعداد والتخطيط والتنفيذ وحتى التمويل، وعلى مدى ستتة شهور لم تتمكن الفصائل من زيادة حدة الأحداث ولا إمدادها بما تحتاجه من وقود يزيد من لهيبها سوى بعض التوجيه الاعلامي؛ وذلك للأسباب كثيرة من أهمها؛ عدم نضج الفصائل في الضفة الغربية من حيث القدرة والتنظيم بالقيام بمثل هذه الأعمال، وعدم وجود أرضية تنطلق منها العمليات بعد أن أعلنت السلطة بأنها لن تقبل أن تنطلق العمليات من أراضيها كما حدث في الانتفاضة الثانية إذ كانت القيادة الفلسطينية راغبة بالتصعيد لإجبار الاحتلال على تنفيذ الاتفاقات الموقعة وتقديم بعض التنازلات التي لم تحصل عليها خلال مفاوضات كامب ديفد الثانية.

من هنا جاءت هذه العملية مبددة لآمال الأوساط الأمنية التي اعتقدت أن لا وصول لحالة من هذا النوع من العمليات حتى لو تصاعدت عمليات الطعن الفردية، ومبددة لكل من راهن أنّ عجزاً شاملاً أصاب الجسم الفلسطيني المنهك والممزق بالفعل الأمني، وأن الصورة باتت ثابتة " هجوم دبلوماسي فلسطيني" من خلال الاعترافات الدولية المتوالية بالدولة الفلسطينية، ومؤتمر دولي للسلام ينتزع الحقوق الفلسطينية من شدق الاحتلال، وانّ السلطة ستحافظ على التنسيق الأمني كعقيدة تسهم في عدم توتير الأجواء للوصول لعملية سياسية ما، ولذا فهي من أعلن لمرات عديدة إفشال العمليات الفدائية سواء كانت فردية أو من خلال خلايا تنظيمية.

جاءت هذه العملية لتوقع الرعب من جديد في صفوف المجتمع الصهيوني بشكل عام، فهو لم ينس مشاهد الحافلات المحترقة والمتناثرة الأشلاء، ولا أعداد القتلى في كل عملية تفجيرية. كما لا تنسى الأوساط الصهيونية عامة الأثر الاقتصادي لهذه العمليات، سواء من خلال التأثير على السياحة أو على الحالة الشرائية العامة في المدن حيث سيقلل الاسرائيلي من تنقلة خوفاً من هذه العمليات.كما سيكون لهذه العمليات تأثيراً قوياً على الهجرة المضادة، ففي الانتفاضة الثانية تقدر هذه الهجرة بأكثر من نصف مليون ممن يحملون الهوية الاسرائيلية قد غادروا للبحث عن الأمان، وبعد الهدوء لا يعودون جميعاً.

أما على مستوى إعلان حركة حماس عن تبنيها لمنفذ هذه العملية كأحد أبنائها دون الاشارة إلى حصوله على دعم الحركة اللوجستي، مما قد يعني أن العملية  تحمل الطابع الفردي وبغض النظر عن وجود مساعدين من عدمه، فهي فلم تُخف يوماً أنها في مواجهة مفتوحة مع الاحتلال على الأرض الفلسطينية، فإعلام حماس وقَف  ومن اللحظة الأولى مع الانتفاضة الثالثة داعماً معنوياً لحظة بلحظة، كما أنّ سلطات الاحتلال أعلنت في مرّات عديدة عن اكتشاف خلايا عسكرية تابعة لحماس وتنوي القيام بأعمال المقاومة.

ستقف الأوساط الأمنية والسياسية كثيراً عند هذه العملية، فصعود وتيرة الأعمال التفجيرية سيكون مدمراً للأمن الذي نعم به الاحتلال خلال عقد من الزمان ودون تقديم أي تنازلات سياسية للسلطة الفلسطينية، ولهذا ستكثف سلطات الاحتلال من عمليات البحث والمراقبة والاعتقال والمداهمة من جهة؛ وقد تنظر لغزة بالعين الثانية من جهة أخرى؛ فإمّا أن تقوم بتقديم تسهيلات حياتية مهمة، مع تقدم في عملية التفاوض حول تبادل الأسرى، اعتقاداً منها أن ذلك يشغل حماس عن المضيّ قدماً  نحو التصعيد، أو أن تقوم دولة الاحتلال  بشن معركة جديدة ظنّاً منها أنّ ذلك يسهم في اجهاض الاستعدادات العسكرية عند حماس قبل نضوجها، وقبل التمكن من الوصول لتصعيد الانتفاضة بصورتها العسكرية والعمليات التفجيرية.

وقد تكون رسالة حماس بالإعلان عن تبني منفذ العملية عبد الحميد أبو سرور كأحد أبنائها، قد وصلت من الناحية العملياتية والسياسية، ولكن لا أظن أنّ أذن الغطرسة الإسرائيلية قد فهمتها.