في يوم الأسير الفلسطيني.. أسرانا نجومٌ تتلألأ في سماء الحرية

بقلم: 

من سُنّة الشعوب التي تقع تحت نير الاحتلال، أنّها تبذل كل ما في وسعها للتخلص من تبعات وظلم وتسلط هذا الاحتلال الذي ربض على صدرها، فالشعب الجزائري البطل الذي رزحت بلاده تحت وطأة الاستعمار الفرنسي أكثر من مئة وثلاثين عاماً، سطر فيها أروع آيات البطولة والفداء، بذل فيها الغالي والنفيس من دمه وماله وروحه، حتى نساءه الماجدات اللواتي سطّرن أيقونةَ عزٍّ ولوحةًّ ما زالت تتغنى فيها الأجيال، وأصبحت قصة كل أسيرٍ وأسيرةٍ  تُروى وكأنها ثورةُ شعبٍ كاملة، وملحمةُ أمّةٍ عصيةٍ على التقهقر والاندثار،فرُويت قصص البطولة وحكايا الفخار لعقود وقد تستمر لقرون، لقد كانت نتيجة البذل والعطاء من ملايين الشهداء وأكثر منها من الأسرى والمفقودين لتقول للمحتل الفرنسي الغاشم:

يا فرنسا إن ذا يوم الحساب                فاستعدي وخذي منا الجواب

إنّ في ثورتنا فصل الخطاب              وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر

وها هم أسرى فلسطين، الذين ما زالت لوحتهم تُرسم بكل ألوان القهر والتعذيب والحرمان،والذين ضحوا بزهرة شبابهم وبأنفس أوقاتهم، تركوا الحياة إلى الحياة، عمروا جنبات سجونهم علماً وأدباً وشعراً، حفظوا معاني العزةِ وأركنوها سويداء قلوبهم؛ ليُبقوا منها شيئاً لمن فقدها في زمن تعزّ فيه، حملوا همّ شعبهم الذي ذاق ويلات التشرد والتهجير عندما تركته أمتُه صريعَ مؤامراتِ القريب والبعيد؛ حاملين راية العزّ عاليةً خفاقة. أسكنوا القدسَ والأقصى ضمائرَهم، وحالُهم يقول" أنا لن أبيع كرامتي حريّتي أنا لن أخون".

لقد حوّل الأسرى الفلسطينيون السجون إلى جامعاتٍ يتبادلون فيها العلوم والثقافة والفكر، لقد جعلوا منها زوايا متصوّف عابدٍ زاهد، ترك الملذات مختاراً مقبلاً غير مدبر، بنوا فيها قباب برلماناتهم يحللون فيها واقع قضيتَهم ويسهمون في نهضة شعبهم، لم يغيبوا عن فلسطين ولم تغب عنهم، هم الحاضرون بوعيهم، يُثرون لُبابَ الفهمِ فهماً، يجدفون بحرقتهم فلا تغرق لفلسطينَ مركبٌ وعينُهم عليه. كم من قضيةٍ عصيت على الحلِّ ، كان مفتاحها بأيديهم.

لقد راكم الأسرى من النضال والبطولة في مسيرة المواجهة ما تعجز عن وصفه صفحاتٌ ودواوين، ففي كلِّ مرحلة من مراحل المواجهة، تفتح السجون أبوابها لجيل جديد من الأسرى، ولتجارب غنيةٍ من العزة والكرامة ؛ لم تميز هذه السجون بين رجل وامرأة أو شيخ وطفل، كلهم ذاقَ وعرف جنة السجن وناره، ليترك للانسانية جمعاء التجربة بكلِّ معانيها. مترنمين بسحر القول:

السجنُ جناتٌ ونــــــــارُ                   وأنا المغامرُ والغِمارُ

أنا والدجى والذكريات                    مريرةٌ والانتظـــــــارُ

إنّ الأمل الذي يحياه أسرى فلسطين في سجونهم، يملؤون به قلوبهم، ولو وُزِّع على أُمّة العُربِ لكفاها،أملُهم بربهم العزيزُ القادر، الذي يعينهم ويثبتهم على وحشة الافتراق والغربة، ويعينهم على تحمّل النوائب، فكم منهم فقد حبيباً ، ابناً أو أخاً، أباً أو أُمّأً، حُرِم من مشاهدتهم وعِناقهم، تمّرُ عليهمُ الأيام والسنون يطوونها شوقاً أو ألماً من علّة ابتلى الله أجسادَهم بها، وهم ينتظرون حتى يقيّض الله لهم فرص الخلاص والنجاة والتحرير.

إنّ رعايةَ الأسرى والوقوف على شؤونهم واجبٌ وطني وشرعيّ، وإن التقصير في حمل همومهم وسدّ ثغرتِهم؛ جريمةٌ نكراء لا يرضى بها حرٌ أبيٌ رَضع الشهامة والكرامة. واجبُهم مقدَّمٌ على كلِّ واجب، أبناؤهم وأُسرُهم أمانةٌ في عنق كل مسؤول، لهم الأولوية في التعليم والعلاج والوظيفة ما أمكن، مرضاهم يئنون ليل نهار بحاجة للعلاج والدواء، يستغيثون فمن يعينهم؟ يتضاغون، فمن لهم؟ وهم يخوضون اليوم المعركةَ تلوَ المعركة سلاحهم أمعاؤهم الخاوية، مطالبين بحريتهم وخلاصهم من قيد السجّان، ومن ظروف السجن التي تضيق عليهم في مأكلهم ومشربهم وشؤون حياتهم اليومية شيئاً فشيئا، تتغشاهم الأمراض الخبيثة في ظروف غامضة، يعلم سرّها الله علام الغيوب، يستصرخون شعبهم وأمتهم وكلَّ مسؤول قادرعلى حمل همّهم لتقديم كلِّ عون لهم للخلاص من الأسر.

إنّ أفضل ما يقدّم للأسرى في يومهم السنوي، هو حمل قضيتهم وجعلها حاضرة في كلّ محفل، ولنحتذي سنّة الأمم في أسراها، فهم تاجُ شعبنا وهامته التي لا تنكسر، فطوبى لكم أيها الأسرى وطوبى لصبركم، عشتم لشعبكم وهو بانتظاركم.