الفلسطيني الجديد وغيره!

بقلم: 

الجديد هل يعني نفي القديم؟
سؤال فلسفي وسياسي ووطني.

"أدرك مكتب منشق شؤون الحكومة الإسرائيلية في "المناطق" أهمية المعلومات الاستخبارية ولكنهم يدركون أيضا ضرورة فهم "روح العصر" بما لا يقل عن أهمية المعلومات، لذلك يقوموا بقراءة ما يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي، ويلتقون مع مختصين في علوم الاجتماع وباحثين وصحافيين فلسطينيين. ويتضح من هذه اللقاءات والأحاديث أن الضفة الغربية وقطاع غزة تشهد مولد "فلسطيني جديد" فلسطيني شاب ومثقف لكنه أيضا يعاني من البطالة والإحباط وغياب أفق المستقبل أو أي أفق شخصي أو وطني. فلسطيني من أبناء جيل لا يخاف كثيرا من إسرائيل كما كان والداه فيما يتجه بنظره غربا نحو الديمقراطية والمجتمع والثقافة الإسرائيلية كمثال جدير بالاقتداء ولا ينظر نحو الشرق أو الجنوب باتجاه القاهرة أو دمشق الشاب الفلسطيني الجديد يريد التغيير وإنهاء الاحتلال أيضا.
الفقرة السابقة جاءت في الجزء الأخير من تقرير صحفي إسرائيلي المحلل العسكري، والصحفي الإسرائيلي المعروف "يوسي مليمان"، ترجمته وكالة معا ونشرته في 26/3/2016 بعنوان "مانديلا فلسطين" وسيناريو خلافة "أبو مازن".
سياقه كان حول الموضوع، بدءا بقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من احتمالات تولي الأسير مروان البرغوثي مقاليد الرئاسة الفلسطينية، وخطوات صائب عريقات الموجهة ضد المستوطنات، حيث أن "هناك فرصة كبيرة أن يتبنى مجلس الأمن قرارا بهذه الروحية وحكومة نتنياهو تخشى كثيرا من امتناع الإدارة الأمريكية التي تصف هي الأخرى المستوطنات بالعمل غير القانوني عن التصويت، أو أن يحدث الأسوأ وتصوت لصالح هذا القرار. إضافة إلى سياق أزمة حركة حماس، ومسألة العمالة الفلسطينية في إسرائيل، و"ارتباط اقتصاد الضفة الغربية بالاقتصاد الاسرائيلي ارتباطا مطلقا...." ومعاناة المواطنين.
لما كان الشباب والشابات هم وهن الفئة الأكثر فاعلية وتأثير تاريخيا كونهم الفئة الطليعية غير المرتبطة بالمصالح، وحركة رأس المال، فإن هناك دوما رصدا لاتجاهاتهم، خصوصا في بلد مثل فلسطين، يعاني الاحتلال والصراع.
توصيفنا:
لأنفسنا أمام أنفسنا، وتوصيفنا لأنفسنا أمام الآخرين، وتوصيف الآخرين لنا، ولهم: العدو منهم والصديق.
بم نبدأ؟
الجواب هو بمعرفة الهدف، وهو معرفة تفكير الشباب في فلسطين الآن، وفي المستقبل، ليتسنى للمهتم أنى كان، إعداد خططه للتفاعل والاشتباك وتلبية الحاجات وللمواجهة أيضا.
ما الذي أدركه مكتب منشق شؤون الحكومة الإسرائيلية في "المناطق"؟
أدرك ما يلي:
-       تشهد الضفة الغربية وقطاع غزة مولد "فلسطيني جديد" فلسطيني شاب ومثقف لكنه أيضا يعاني من البطالة والإحباط وغياب أفق المستقبل أو أي أفق شخصي أو وطني.
-        جيل فلسطيني لا يخاف كثيرا من إسرائيل كما كان والداه.
-        جيل يتجه بنظره غربا نحو الديمقراطية والمجتمع والثقافة الإسرائيلية، كمثال جدير بالاقتداء ولا ينظر نحو الشرق أو الجنوب باتجاه القاهرة أو دمشق.
-        الشاب الفلسطيني الجديد يريد التغيير وإنهاء الاحتلال أيضا.
وقد عمدنا للتفصيل من أجل التحليل والفهم. وكل النقاط الأربع مرتبطة ببعضها بعضا؛ فلأنه جيل مثقف له معاناته الداخلية الخاصة بمجتمعه، ومعاناته في العيش تحت الاحتلال، فلماذا يخاف؟ ومن الطبيعي أن يكون الهدف-الحاجة، التغيير وإنهاء الاحتلال، ولا يهم بم يبدأ، المهم إحداث التغيير المنشود والذي لا يمكن أن يكون حقيقيا وواقعيا وعمليا إلا بإنهاء الاحتلال. والتغيير المنشود هو الاستجابة ل"روح العصر" بعدم تكرار إعادة إنتاج مجتمعات عربية يعاني في ظلها المواطنون والشباب أيضا.
بم نبدأ؟ بتوصيفنا لأنفسنا أمام أنفسنا، أم بتوصيفنا لأنفسنا أمام الآخرين، أم بتوصيف الآخرين لنا؟
يبدو أن هناك تشابها بين الثلاث توصيفات، باختلافات طفيفة. ومصدر هذا التشابه هو لزوم التناول الموضوعي.
أما الجامع لتلك التوصيفات فيتلخص بإنهاء الاحتلال وإنفاذ التغيير المجتمعي المنشود في الإدارة والحكم والثقافة.
وما دام الأمر على هذا النحو، فينبغي التفكير والتطبيق العملي فلسطينيا وإسرائيليا ودوليا بما يفكّر فيه الشباب.
فلسطينيا إذا صفت النوايا، فإننا نتوقع أن يقوم القادة الفلسطينيون في مجالات الحكم والإدارة بالبدء بإجراء التغيير، وتسليم البلد سلميا بطريق سلسة وديمقراطية للشباب، (خصوصا للثلاثينيين/ات في الإدارة، والأربعينيين/ات في الحكم).
أما إسرائيليا، فإن على إسرائيل حسم أمرها، إما دولة للجميع أو دولتان، أما أن تطبق وعد بلفور، ولا ترى في شعبنا غير أقلية سكانية فأمر لا يقبله أحد، عدوا كان أو صديقا.
دوليا، على المجتمع الدولي مساعدة الفلسطينيين والإسرائيليين، بتسهيل إجراء التحول الديمقراطي الحقيقي في فلسطين، والسعي لإنهاء الاحتلال. ولا أرى أن هناك ما يلزم للإضافة. بل إن لم نفعل كلنا مجتمعون هذه الوظائف Our Home work فأي عمل آخر سيكون من تضييع الوقت  وإطالة عمر الاحتلال وبقاء المجتمع على ما هو عليه الآن من تأزم.
فلسطينيا، جرت مؤخرا بضع محاولات جادة للتعرف على تفكير الشباب واتجاهاتهم تجاه ما يدور، بتركيز خاص على القضية الوطنية والصراع والإدارة والحكم، ودور الشباب في التغيير. من هذه المحاولات الجادة ما فعله مركز "الأرض" في رام الله، حيث تمحور مضمون ومحتوى فرضية سؤال البحث الذي يجريه حول ما اذا كانت الحالة الراهنة تحمل في أحشائها إمكانية ولادة حركة وطنية، جديدة قادرة على استنهاض وتنظيم النضال الوطني بأدوات أكثر قدرة على إنهاء الاحتلال، وبما يمكن من احداث التغيير الداخلي الديموقراطي القادر على الإجابة على تحدي الاحتلال وإنهائه. انطلق السؤال الوطني الملتزم من ثقافة الشباب كمحرك لأي حراك فاعل، حيث أظهر الشباب عدم رضاهم وطموحهم للتغيير، وإن لم يستطيعوا تماما رسم آليات صنع التغيير.
من هذه المحاولات الفلسطينية أيضا، (والتي تصف أنفسنا لأنفسنا وللآخرين) بعض الاستطلاعات. ولم تبعد نتائجها عما أدركه "منسق شؤون المناطق". ولعنا نتذكر حراك الشباب قبل بضع سنوات على دوار المنارة، حينما كان أمامهم خياران، فاختاروا التوجه لمنطقة البلوع في البيرة، كمنطقة اشتباك مع قوات الاحتلال، مؤجلين الخيار الآخر، أو نافيين له، بسبب سلم الأولويات من جهة، وبسبب عدم الوقوع في التناقض الداخلي من جهة أخرى.
وجاءت طاولة مركز العالم العربي للبحوث والتنمية “أوراد” المستديرة بعنوان "ثقافة ومشروع منظمة التحرير الفلسطينية: هل ما زال ذو صلة؟"، على هامش نتائج استطلاع الشباب الفلسطيني التي نشرها المركز مؤخرا، "في ظل مراوحة القضية الفلسطينية في مكانها وتراجع الطروحات السياسية الناظمة والموجهة للوضع الفلسطيني وثقافته السياسية عبر الأجيال. قام المركز بالعمل على تأطير نقاش جدي ومسؤول يجمع من خلاله فئات ذات أهمية وفاعلية على المستوى الأكاديمي والواقع على الأرض، كجزء من مجموعة من اللقاءات المستمرة التي يجريها لبحث تطورات الوضع الفلسطيني وتقييم جوانبه المختلفة والإجابة على أسئلة جدية منها ما يتعلق بنظرة الشباب الفلسطيني لمستقبل مشروع الدولة الفلسطينية والثقافة السياسية السائدة والتباين الكبير يبن الاجيال وما يعنيه من دق ناقوس خطر تجاه المستقبل".
حسب أوراد، فإن 67% من الشباب يؤيدون استمرار الانتفاضة. لماذا؟
طبعا ومن الطبيعي أن تزداد نسبة المؤيدين للوسائل المسلحة، لسبب بسيط وهو الضغط الفعلي على إسرائيل لتنهي احتلالها.
ومن الطبيعي، في ظل طريق المفاوضات المسدود، وفي ظل الأزمتين السياسية والاقتصادية أن يكون الشباب حسب أوراد غير مبالين سياسيا ولا حزبيا، حيث أنهم يختبرون يوميا مدى كون المنظمة أداة تحرر وطني واجتماعي.
مهما كان التناول السياسي مهما، فإن هناك ما هو أهم: الخبز! وأظن أنه سيأتي باحث مؤرخ بعد بضع سنوات، بعد إنجاز التغيير، ليستنتج بأن أداء السلطة الوطنية اقتصاديا هو ما دفع للتغير لا الأداء السياسي، بل ليعرض أيضا بأنه كانت هناك مجالات ممكنة لتطوير بروتوكول باريس الاقتصادي، والذي رغم قصوره، فإننا لم نستفد منه بالشكل الأمثل. وليخلص بأن البطالة التي يعاني منها عشرات آلاف الشباب، إن لم يكن مئات الآلاف، خصوصا بطالة الخريجين، هي التي أخرجتهم إلى الشوارع. إن الإخفاق الاقتصادي، والبطالة والفقر هي كلها مهددات أي نظام.
إن الشباب والمواطنون/ات بشكل عام يبحثون عن أداة تحرر وتنمية أخرى، لكنهم من الذكاء يريدونها غير مكلفة بشريا.
وهذا ما استخلصه منسق شؤون الحكومة في المناطق" حين قال "الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية، وفقا لما يمكننا قياس مزاجه واتجاهه العام، معني بإنهاء سلطة الاحتلال الاسرائيلي دون ان يؤدي ذلك الى المساس بنسيج حياته وروتينها".
وهكذا، فإن التغيير المنشود إن حدث، فسيكون هدفه العدالة الاجتماعية، لكنه وإن لم  يحسم مستقبلا أمر الاحتلال، فإنه سيمهّد لتجليات إستراتيجية أخرى، ستتقاطع مع التغيرات التي تصيب الشباب في إسرائيل، واليهود الشباب من منهاتن بنيويورك إلى بلاد أخرى، حيث يبدو أنهم سيصيرون أكثر تحررا في التفكير بالصراع العبثي، خصوصا وهم يرون الشباب من أصول فلسطينية وعربية وإسلامية عن قرب ويعرفونهم بالتجربة بعيدا عما تم تصويره لهم عبر الصور النمطية المشوهة.والذين سيرون في دولة واحدة يعيش فيها الجميع أمرا مفروغا منها ولا حاجة للبحث فيه.
ربما أو هكذا يكون، بذور القديم تبقى وتلك قصة الحضارة، وفي الحالة الفلسطينية نحمل الكثير من القديم، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بحقوق شعبنا في الحرية والاستقلال وتقرير المصير.