ما بأيدينا

بقلم: 

-       ما دلالة ما في العنوان؟
-       دع عنك ما وأخواتها قليلا وفكّر/ي معي!
كيف نتموضع فلسطينيا في ظل هذا العالم؟
تفجيرات بروكسل جاءت في سياق تفجيرات أوروبا، ولأنه ليس هناك صدفة في السلم أو الحرب، فإن لنا أن نظن.
وهي تأتي/و/أو ترتبط بمنطقتنا العربية المتفجرة: تدمير تدمر بأيدينا وأيدي آخرين، والتي تأتي في سياق تعمير سوريا عن طريق تدميرها.
ونحن منعزلون أو مندمجون جزء من هذه الحال.
والإجابة مهمة، كي نعبر الطريق بسلام، بأقل الخسائر.
كيف نتموضع؟
وكيف نفسّر منطلقات تصريحات مدير شرطة دبي السابق الفريق ضاحي الخلفان حول "عدم قيام دولة فلسطينية بل دولة إسرائيلية تضم الفلسطينيين واليهود"؟
لعلي أرجع للشاعر والقاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني (الذي سيكون معنا) لأفسّر هذه الحالة النفس-سياسية:
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما
ويمكن أضافة أهل الحكم والساسة لأهل العلم، فنحن إنما نعظم قضيتنا الفلسطينية وحقوقنا من خلال صون أنفسنا، والذي يعني: صون جبهتنا الداخلية، وتقبلنا لبعضنا بعضا، وإدارة أكثر فعالية للمال والأعمال، وزيادة ملحوظة للعدالة والمساواة. والتي تعني الاحترام المتبادل، والوحدة الوطنية. ويمكننا محاسبة أنفسنا كحكام ومحكومين ومساءلة ضميرنا الوطني والإنساني عن مدى صوننا وصيانتنا لأنفسنا.
العالم ومنه العالم العربي الموجوع، يستطيع أن يعيش بدوننا، لسبب بسيط، وهو أن مفعولنا وفعاليتنا خفت، فمتى  سنفعل ما يحقق معنى أن وجودنا معا سيقوينا كلنا، وإن أي ضعف لأحدنا هو ضعف لنا؟ وما ينطبق علينا وطنيا، ينطبق على الدول العربية كل قطر على حدة، وعلينا معا قوميا.
إذن أهم ما في التموضع أن نكون معا، وكفى فرقة واختلافا.
الآن، نفكر معا في تجليات ذلك: سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
سياسيا: حالة الانتظار: المصالحة، والانتخابات، والاشتباك مع الاحتلال تفاوضيا وغيره، وأزمة النظام السياسي في ظل ذلك، وأزمة المجتمع؛ باختصار، وحتى نسير في الخلاص الوطني، ربما علينا جميعا رضينا أم لم نرض، أحببنا أم كرهنا، علينا تجرّع الدواء ولن يضيره إن كان مرّا.
علينا أخذ المبادرة قبل أن نصبح في وضع الإملاء، خصوصا أنها تقترب لتكون خيارا إقليميا، ولأن التفصيل والصراحة "توجع القلب" فليس لدى آخرين التصالح مع طرف منا، لتحقيق غايات خاصة، فلنصنعها نحن.
التغيير، ما التغيير؟ لا أراه إلا تغييرا سلميا وعاديا، عن طريق الانتخابات. فإذا ارتبطت المصالحة بالانتخابات، علينا الانتباه لاستحقاق هذا الربط، بهدف حماية البقاء، لذلك فإن الموضوعية تقودنا لانتخابات ممكنة في الضفة والقطاع، لا انتخابات غير ممكنة للمجلس الوطني. بالطبع لا مانع من تجديد ما يمكن.
اقتصاديا: نحن اقتصاد مجتمع تحت الاحتلال، هذا بيت القصيد، فمجتمع ينشد التحرر، سيكون له سلوك وأولويات تختلف عن مجتمعات أخرى، لكن ذلك لا يمنع من وجود تشابهات، خصوصا في العالم-الصغير.
نحن شعب صغير، لكن لدينا عوامل ذاتية إن أحسنا استثمارها، فسنحقق الأفضل، خصوصا في تسويق المنتجات البشرية والاقتصادية على اختلافها، فإن فعلنا ذلك، سنشجع الإنتاج وعدم اللهاث وراء الوظيفة العمومية وغيرها.
اجتماعيا: الإلحاح على التنوير؛ فلا يمكن أن نعود إلى الوراء. كيف نكون في السبعينيات والثمانينيات أكثر انفتاحا من اليوم؟
كيف نفسّر مثلا "فصل جامعة خضوري طالب وطالبة من الجامعة بشكل نهائي وغير قابل للاستئناف بعد أن تعانق الطالبان إثر تقدم الطالب لطلب يد الطالبة، بتبرير أن الحريات الشخصية ليس مكانها الجامعة"؟ إذاكان ذلك  يحدث على أرض الأكاديمية، فما بال غيرها؟
ثقافيا: دائما الثقافة هي الدينامو، وهي شرط نجاح لأي حراك جاد.
أهم بعد ثقافي نفكر فيه، هو الانتصار لقيم التفكير، والتنفير من الثقافة الشعبوية، التي صارت تجد لنفسها مكانا في الجامعات والوزارات والمؤسسات الإعلامية والحكم والساسة.
إن الاقتراب من الشعب لا يعني الشعبوية والسطحية أبدا. (الثقافة الشعبية بالطبع غير الشعبوية). ليس من المتقبل أي تصريحات لأي مسؤول أو موظف كبير، بل متوسط وصغير، أن يدلي برأي غير علمي فقط لأنه إما يقوله لإرضاء المسؤول الأكبر، أو لتحقيق منفعة شخصية. (انظر حراك المعلمين، وانظر استطلاع مركز العالم العربي للبحوث والتنمية-أوراد وما ظهر من نتائج عدم الرضا عن الأداء العام).
نعود للجرجاني نقتبس بعض ابيات القصيدة التي يلفت فيها نظر أدعياء العلم والرأي والإعلام والثقافة والسياسة، الذين يغرهم بريق المناصب عن قول الحق:
ولم أقضِ حَقَّ العلمِ إن كان كُلَّمَا       بدا طَمَعٌ صَيَّرتُه لي سُلَّما
ولم أبتذل في خدمة العلمِ مُهجَتي        لأَخدمَ من لاقيتُ لكن لأُخدما
أأشقى به غَرساً وأجنيه ذِلةً       إذن فاتباعُ الجهلِ قد كان أَحزَما
ولو أن أهل العلمِ صانوه صانَهُم ولو عَظَّمُوه في النفوسِ لَعُظِّما
ولكن أهانوه فهانوا ودَنَّسُوا        مُحَيَّاه بالأطماعِ حتى تَجهَّما
فإن قُلتَ جَدُّ العلم كابٍ فإنما    كبا حين لم يحرس حماه وأُسلما
وما كلُّ برقٍ لاحَ لي يستفزُّني   ولا كلُّ من في الأرضِ أرضاه مُنَعَّما
ولكن إذا ما اضطرني الضُّرُّ لم أَبتِ     أُقلبُ فكري مُنجداً ثم مُتهما
إلى أن أرى ما لا أغَصُّ بذِكره   إذا قلتُ قد أسدى إليَّ وأنعما
عاش الجرجاني في القرن الرابع الهجري، وكان عالماً وشاعراً، وناقداً، وكتابه (الوساطة بين المتنبي وخصومه) من أشهر كتب النقد في الأدب العربي .
منذ أن قرأت Animal Farm   وأنا معجب بها، خصوصا في نهايتها:
"بعدها عادت الخنازير والفلاحون للعب لعبة الورق وباقي الحيوانات ابتعدت من النافذة. ولكنها عادت لتراقبهم بعدما سمعت اصوات صراخ ترتفع لأعلى حيث كان (نابليون) و(مستر بيلغنتون) يلعبان سوية واتهم كل الآخر بالغش في اللعب, والحيوانات تطالع من النافذة مدركة أنها أصبحت لا تستطيع التمييز الآن بين اللاعبين أيهما خنزير وأيهما إنسان". علما أن نص الرواية الأصلي أكثر بلاغة. نشرها جورج اورويل في صيف 1945، وسالت أقلام النقاد حولها حتى الآن، وغدا، لما فيها من معان.
سأترك جانبا القرة الأخير من الرواية لأنني ما زلت أؤمن بالتصالحية، وما زال لديّ بقية من أمل بأن تتعافى نظم المجتمع والنظام السياسي بشكل خاص، كأن يحمل بذور شفائه من داخله.
معي كثيرون، يشاركونني بأنه آن الأوان لنستوعب بعضنا في هذه الغرفة، حتى لا نضطر للتغريد أو سمه ما شئت، في الخارج. نفي الآخر هو نفي الذات، ويمكننا أن نأكل الفواكه بدلا أن نأكل أنفسنا.
-       كيف نتموضع فلسطينيا في ظل هذا العالم؟ هل بإمكاننا فعل ذلك؟
-       فقط إن أردنا.
-       وما؟
-       التي في العنوان؟
-       نعم؟
-       إنها بمعنى الذي لا النفي!
-       رمز!
-       صدقني إن الذي بأيدينا كثير، ولا ألوم عما ليس بأيدينا.