اشطبوا خانة تاريخ الولادة و خانة الجنس من بطاقة الهوية الفلسطينية

بقلم: 

يقول عالم الاجتماع الفرنسي جورج غروفيتش " أن الزمن يمر في بعض التجمعات أسرع منه في بعضها الآخر ، وأن بعض التجمعات تملك تقريباً مبطئات للزمن ، في حين تملك أخرى مسرعات له " . و يقسم غروفيتش التجمعات إلى تجمعات ذات وتيرة بطيئة ( المشتركين بالمجلة الدورية نفسها والمتأثرين بها ، أعضاء الحزب الذي لا يحضرون الاجتماعات ، الخ ..) ، تجمعات ذات وتيرة متوسطة ( تجمعات تلتقي بشكل دوري مثل النقابات، الأحزاب الشركات المساهمة وغيرها )،  وأخرى ذات وتيرة متسارعة تجتمع بصورة دائمة ومستمرة مثل العائلات ، السجون، الوحدات العسكرية وغيرها .

إذا ما أردنا تطبيق هذه النظرية على عائلات الشهداء والأسرى الفلسطينيين، فهم قبل أن يكونوا كذلك كانوا عائلات فلسطينية تقع تحت مظلة التجمعات ذات الوتيرة البطيئة، لأن ما يجمعهم هو هويتهم وقوميتهم فحسب. أما الاحتلال الإسرائيلي باعتقال أو اغتيال أبنائهم حولهم إلى مجتمعات ذات وتيرة متوسطة، فهم أصبحوا يلتقون بشكل دوري سواء في الزيارات بالنسبة إلى عائلات الأسرى، أو حفلات التأبين بالنسبة إلى عائلات الشهداء ، أو في الفعاليات الوطنية الأخرى . بمعنى آخر إن السياسات الاحتلالية الإسرائيلية جعلت الزمن يمر في بعض التجمعات الفلسطينية بشكل أسرع . فذوي الشهداء والأسرى والجرحى  دخلوا ضمن التجمعات ذات الوتيرة المتوسطة، الأمر الذي جعلهم أقوى وأصلب في مواجهة السياسات الحيوية الإسرائيلية.

إسرائيل تحاول دوماً ابتكار سياسات تهدف إلى تطييع الإنسان الفلسطيني وترويضه وتركيعه، وتسعى إلى سلخ هذا الإنسان عن هويته وهذه السياسات لم تستثني أحداً بغض النظر عن الفئة العمرية أو الجنسية التي ينتمي لها.

أطفال فلسطين إما يعيشون في سجن كبير وطفولتهم البريئة مسروقة.. أو في معتقل صهيوني صغير تغيب فيه كل معاني الطفولة... فكيف نسميهم أطفالاً وهم بلا طفولة؟ ...

نساء فلسطين من جانب آخر لم يُستثنوا من دائرة الاستهداف الإسرائيلي، فإسرائيل استهدفت نساء فلسطين وحولتهم إلى شهيدات..أسيرات .. أمهات شهداء .. أمهات أسرى .. أخوات شهداء .. أخوات أسرى .. بنات شهداء وبنات أسرى. إلا أن هذا حولهم أيضاً إلى فلسطينيات، فأناملهم ليست كأنامل باقي إناث العالم، أناملهم صارت تصنع تراثاً يجسد أملاً وصموداً.

أصبحت النساء أشد المنافسين للرجال وربما أكثر عناداً منهم، ومن الشواهد البارزة اليوم مرابطات الأقصى اللواتي سجلن قصة صمود على أعتاب بيت المقدس.. صموداً لم يكن بصمود إناث عاديات، بل كان صمودً فلسطينياً وصمود هوية بعيداً عن أي فئة جنسية.

سلاح الاحتلال لإعدام الهوية الفلسطينية قد انفجر في وجهه، فسياساته لم تردع الإنسان الفلسطيني، بل صنعت أبطالاً من كافة الفئات العمرية والجنسية ها هم يسجلون انتصارات يومية للهوية الفلسطينية.

النظرية التي يمكن أن نخرج بها اليوم، أنه كلما ازدادت السياسات الإسرائيلية همجيةً ووحشيةً، ازدادت الهوية الفلسطينية صموداً.

لم يعد المجتمع الفلسطيني يقسم إلى فئات عمرية أو جنسية، بل إلى حملات مواجهة للسياسات الإسرائيلية ووحدات تحرس الهوية الفلسطينية.

أشطبوا خانة تاريخ الولادة و خانة الجنس من بطاقة الهوية الفلسطينية لأن في فلسطين لم يعد هناك فئة عمرية أو جنسية أو نوع... في فلسطين هناك فلسطينيون فقط...حيث أن فلسطنة الإنسان كافية لفهم كافة جوانب حياته .