ياسر عرفات: حديقة فلسطين المعلقة

بقلم: 

إن كانت العراق تحتضن إحدى عجائب الدنيا السبعة حدائق بابل المعلقة وهي العجيبة الوحيدة التي يُظن بأنها أسطورة، فإن فلسطين تحتضنها حديقة معلقة اسمها ياسر عرفات، وبهذا فهي تتعدى الأسطورة لأنها حديقة تحتضن وطن.

الأم أغلى شيء في الوجود بالنسبة لأي إنسان، وعرفات احتضن أمه فلسطين وعرفها على جميع العالم ليعرف القاصي والداني أنها أغلى شيء في الوجود وأنه سيخدمها حتى الممات.

في كل محطة من حياته كان ينبت من داخله وروداً وثواراً، أشجاراً ورجالاً، بياراتٍ وانجازاتٍ. وبهذا جعل فلسطين في نظر العالم وطناً يستحق كل هذه التضحيات والنضالات.

رسم عرفات عبر رحلة نضاله الطويلة أمه فلسطين بصورة امرأة جميلة ذات كبرياء خارق، إلا أننا الآن عندما ننظر إلى صورتها نراها حزينة، وكأن الصورة التي رسمها عرفات صورة حية تشتاق للفنان الذي رسمها وتحن إلى محبيها وعشاقها.

عرفات أسطورة فلسطين وحديقتها المعلقة، عرفات هو الحاضنة التي أفقست الثوار.. ثوار ملئوا الأرض ضجيجاً بأصوات الحرية.

رحل جسد عرفات ولكن كما يقول غسان كنفاني " تسقط الأجساد لا الفكرة"، الشهيد عرفات يلتحف بتراب فلسطين، وهذا ما يجعل نسيم الثورة يفوح من التراب.

من بندقية الثائر إلى غصن الزيتون كان عرفات وما زال الرجل الذي بعده لا يمكن أن يكون، إنه أسطورة فلسطين وحديقتها المعلقة.

يرقد الآن تحت التراب بصمت، ومع هذا تشعر به حينما تمر بقبره، فصوت الصمت يدوي كالرصاص، ورائحة الياسمين التي تفوح من قبره تنادينا وتقول " استمروا وتقدموا ولا تفرطوا بأمكم فالأرض معكم والله معكم وروحي تقاتل معكم".

لنعيد رسم لوحة القائد الشهيد عرفات، ولتبقى الحديقة مزهرة خالية من الأشواك، فكل زهرة تنبت في الحديقة المعلقة هي شوكة في حلق الأعداء والمتخاذلين والجبناء.

فلتحيا روح عرفات فينا، ولتخضر الحديقة المعلقة من جديد، ولنزرع حدائق معلقة ولتكن سبعون وسبعمائة وسبع ملايين حديقة، فهذا خير رثاء للقائد الشهيد عرفات.

عاشت فلسطين في عهد عرفات زمن الأحلام والرومانسية والفرسان، فأين فلسطين اليوم من هذا كله؟

لك شيء كبير في قلبي يا سيدي لا أريده أن يزول، لأنه إذا زال فأنا ميت لا محال. أنت الشعار القديم والجديد.. أنت الرمز والأيقونة والموسوعة.. أنت حديقة فلسطين المعلقة.. أنت الحقيقة المفقودة في زمن الرويبضة، ولكن اطمئن فالحقيقة لا تسقط بالتقادم و ستعود للظهور عاجلاً أم آجلاً.

استوطنت في نفوسنا يا سيدي، وزرعت في الأرض أشبالاً يمثلون عماد مقاومتنا وثورتنا، ولهذا فأنا متفائل بأن هناك من سيكمل الدرب لأن رايتك لا تهون ولا تهان .

ما زلنا ننتظر من يفجر مفاجأة سعيدة لفلسطين، ويزرع حدائق معلقة مزهوة بالثوار والمفكرين والمناضلين الأحرار.

عندما ننظر إلى صورة الشهيد القائد ياسر عرفات نستذكر ثورة من أعظم الثورات .... علقوا صوره في كل مكان فهو يمثل بوابة الذكريات .. ذكريات الثورة المعاصرة .. ذكريات المناضلين أصحاب القلوب الطاهرة..

رحمك الله يا أبا عمار يا من كنت للثورة حضناً ودار ..