فاتورة المظاهرات في مصر

بقلم: 

منذ قيام ثورة الشعب في 25 يناير وثورتها التصحيحية في 30 يونية دفعن مصر قيمة هذة المظاهرات من مواردها الاقتصادية وكذلك الشعب ذاتة من خلال الركود الاقتصادي والتراخي الامن خلال هذة المرحلة ورغم القلق من تداعيات الوضع الامني بسبب تلك التظاهرات الا ان العمل استمر في نقل وتوريد جميع السلع منذ ساعات الصباح الباكر من أسواق الجملة بالعبور و6 أكتوبر إلي مختلف الأسواق الداخلية بشوارع القاهرة لتلبية احتياجات المواطنين, واشار احد العاملين في مجال محال التجزئة إلي أن تخوفات المستهلكين من تداعيات المظاهرات أمس ساهمت في زيادة حدة الركود بالأسواق وضعف القوة الشرائية بنسبة كبيرة رغم توافر جميع السلع والمنتجات بالأسواق, وهو ما تسبب في تلف نحو 40% تقريبا من البضائع الراكدة بالأسواق وتكبد التجار خسائر فادحة أن جميع الشركات الكبيرة للذهب قامت بتكثيف إجراءتها التأمينية علي أماكن تواجدها والاستعانة بشركات الأمن لتعيينرجال الحراسة مع وضع كاميرات تصوير داخل المحلات, لمساندة قوات الشرطة في ملاحقة الخارجين عن القانون أن هناك عددا كبيرا من البلطجية والحرامية يقومون بالاندساس داخل التظاهرات من أجل السرقة والسطو المسلح علي المحلات التجارية, واستهداف قطاع الذهب منها بما فيها من منتجات باهظة السعر, استغلالا لحالة الارتباك التي تؤثر علي المشهد السياسي.

لان موجة الاحتجاجات والمظاهرات الفئوية أدت الى تكبد الخزانة العامة للدولة ما قيمته 9 مليارات جنيه مصري لان خسائر القطاع السياحي وحده بلغت حتى الآن ما تتجاوز قيمته ال15.5 مليار جنيه فضلا عن أن القطاع الصناعي يعمل بنصف طاقته مع تراجع حجم الصادرات عن مستويات ما قبل 25 يناير 40 %.

لان السبب الرئيسي في تفاقم عجز الموازنة في مصر، الى المطالب الفئوية للعديد من عمال القطاعات العاملة و الذى أدى الى تفاقم عجز الموازنة، بعد أن أشارت التوقعات إلى تراجعه لنحو 7% العام المقبل مع تحقيق معدل نمو يتراوح بين 5.8% إلى 6%.وللخروج من هذه الكبوة، فإنه من المقرر أن تتضافر الجهود الحكومية والشعبية للمساهمة في خطة الدعم الاقتصادي الحالي، والتى يعتبر القطاع الخاص جزءًا مهمًا وشريكًا أساسيًا فيها، خاصة أن المستثمر الأجنبي يتابع ويراقب الدور الذي يقوم به المستثمر المحلي قبل اتخاذ قراره الاستثماري بالمشاركة وهذ ما حدث بالفعل من بعد وصول مصر لنهاية خارطة الطريق والانتهاء من الانتخابات البرلمانية .

شهد قطاع التأمين خلال عام 2011 جملة من المتغييرات، التى بدأت بأحداث الثورة بداية العام، وما تزامن معها من أعمال عنف وشغب وحالة من عدم الاستقرار السياسى والأمنى، أثرت بشكل مباشر على العديد من المراكز التجارية والمولات وغيرها من المنشآت والسيارات، التى تعرض جيمعها للسرقة أو التدمير، بما جعل شركات التأمين تواجه جملة من المطالبات خلال العام. حتي الان دفعت شركات التأمين تعويضات بلغت ثمانية مليار جنية فضلا عن خسائر فادحة شهدتها البورصة المصرية بلغت نحو 70 مليار جنيه خلال جلستى 26 و27 يناير فقط مع بداية اندلاع الثورة.. فضلا عن خسائر القطاع العقارى أيضًا، والذى دفع قطاع التأمين جزءًا كبيرًا من تكلفته. بلغت ثلاثة مليارات جنية إضافة إلى ذلك، تواجه الحكومة تصاعدا فى عجز الموازنة والذى وصل إلى ٢٤٠ مليار جنيه فى العام المالى الماضى أى ما يعادل ١٣٫٨٪ من الناتج المحلى ومن المتوقع أن ينخفض إلى حوالى ٢٠٠ مليار جنيه (١٠-١١٪ من الناتج المحلى) فى العام المالى الحالى بفضل المساعدات الخليجية. وقد أدى تصاعد العجز إلى تفاقم الدين العام الذى وصل لقرابة ١٠٠٪ من الناتج المحلى ورفع تكلفة خدمة الدين لقرابة ربع الموازنة.

وقد استطاع الاقتصاد المصرى أن يصمد منذ ٣٠ يونيو وحتى الآن بفضل المساعدات الخليجية السخية، لكن من الواضح أن هذه المساعدات لن تستمر على نفس المستوى وسيكون علينا اللجوء للمؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولى والتى لن تقوم بالتمويل إلا بعد تبنى برنامج إصلاح اقتصادى يبدأ فى علاج المشكلات والتشوهات الاقتصادية المزمنة. ولذلك فالبدء بالإصلاحات الاقتصادية فى هذه الموازنة لم يعد رفاهية.

وفي هذا الصدد، تم إعداد مشروع موازنة العام المالى 2014/2015 وأحيل إلى الرئيس المؤقت عدلي منصور لاعتماده فى آخر أيامه وذلك بدون إجراء حوار مجتمعى حقيقى حوله، بل وفى حالة انشغال الشعب المصري بمتابعة انتخابات الرئاسة وهو ما أضفى حالة من الشك والاستياء. وجاءت الانتخابات بالسيسي رئيسا لمصر، والذي رفض التصديق على مشروع الموازنة العامة التي قدمتها الحكومة برئاسة المهندس إبراهيم محلب، بسبب العجز الضخم فيها وزيادة بالمديونية، وقد تصل ديون مصر هذا العام إلى تريليونيّ جنيه مصري. وضرورة اتخاذ إجراءات لمواجهة عجز الموازنة. وقبل بداية العام المالي 2014-2015 بيوم واحد، أقر السيسي الموازنة العامة للدولة، بعد أن أُجريت تعديلات على نفقاتها وإيراداتها.

وتعبر الموازنة العامة في بداية عهد السيسي عن استعادة النهج الاقتصادي الذي انتهجه مبارك قبل الثورة بأعوام، وكان أحد أسباب انفجارها، بما أنتجه من تهميش وإفقار لقطاعات واسعة من المصريين. وبرغم بعض الإجراءات الإصلاحية، مثل فرض ضريبة على تعاملات البورصة، وضريبة على ما يزيد على المليون جنيه سنويا من الدخول، إلا أن جوهر السياسة الاقتصادية ظل كما هو. حتى أن الضريبتين اللتين أقرتا خضعتا لشروط وتعديلات بضغوط من ممثلي رجال الأعمال أدت إلى انخفاض الحصيلة المتوقعة منهما. وبحسب تقديرات وزارة المالية، ستكون حصيلة الضريبة الأولى 3.5 مليارات جنيه. أ

ما الثانية فستكون حصيلتها 3 مليارات فقط كما أنها ستكون ضريبة مؤقتة لمدة ثلاث سنوات فقط. وليس من شك في قيام الحكومة المصرية بدور كبير في محاربة الفقر بكافة صوره خلال الفترة الماضية. إلا أن جهود الدولة يجب أن يتضافر معها جهود فئات المجتمع المختلفة للحد من انتشار هذه الظاهرة، بما لها من آثار سلبية متعددة على مسار التنمية في البلاد. كما يجب على الحكومة المصرية استخدام عدد من الوسائل المبتكرة في وضع حلول جذرية لمشكلة الفقر في مصر، ولعل من أهمها ابتكار حملة إعلامية مصممة جيدا تهدف لتغيير فكر الفئات المختلفة في المجتمع تجاه التوظف بالحكومة، وضرورة قيامهم بالمبادرات المختلفة لإقامة المشروعات الخاصة الصغيرة والمتوسطة، وتحمل دورهم في ذلك.

كما يجب وضع خطة متكاملة للصناعات الصغيرة والمتوسطة التي ترغب الدولة في توجيه عجلة الإنتاج إليها، وذلك بناء على دراسات واسعة ومكثفة لاحتياجات الأسواق المحلية والدولية. ما بين الرفض والتأييد.. الخوف والتشجيع، ينظر الشارع المصري للقرض الذي تسعي مصر للحصول عليه بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، في محاولة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر وسد العجز في الميزانية والذي بلغ 11 % من قيمة الدخل القومي.مما اثر علي معدلات الفقر والبطالة التي تجاوزت الي اربعون في المائة والبطالة ارتفعت الي 28 في المائة من ثم اقر السيد الرئيس مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2014/2015، وأصدر قرارًا جمهوريًا بقانون الموازنة الجديدة التى تتضمن جملة مصروفات بلغت 789 مليار جنيه وجملة إيرادات عامة تبلغ 549 مليار جنية وهو ما يعنى تسجيل عجز كلى بالموازنة العامة بنحو 240 مليار جنية وهو ما يعادل نحو 10% من الناتج المحلى الإجمالى، وذلك مقابل عجز متوقع خلال العام المالى الحالى 2013/2014 يبلغ نحو 243 مليار جنيه يعادل نحو 12% من الناتج المحلى.وتتضمن الموازنة العامة الجديدة تنفيذ حزمة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية المهمة التى تستهدف تنشيط الاقتصاد القومى ومواجهة مشكلاته الهيكلية .

جدير بالذكر، أن الاقتصاد المصرى يمر بمرحلة دقيقة للغاية منذ يناير 2011، وهو ما يتطلب المكاشفة والمعالجة العميقة للمشاكل والتحديات التى تواجهه، ومع الأخذ فى الاعتبار تحقيق الحماية اللازمة لمحدودى الدخل والفئات الأولى بالرعاية. الحكومة قدمت مشروع موازنة ينخفض فيها العجز حوالى 50 مليار جنيه مقارنة بالمشروع السابق الذى قدمته للرئيس السيسى ورفض التصديق عليه ، واقر مجلس الوزراء عددا من الإجراءات الإصلاحية منها زيادة أسعار الكهرباء للشرائح الأعلى استهلاكا وزيادة أسعار الطاقة للصناعات الكثيفة الاستهلاك.

وفي حالة مصر ونظيراتها في بلاد عربية أخري يوجد اتفاق واسع على ضعف الثقافة الديمقراطية في المجتمع الخارج لتوه من تجربة حادية , ولا غرو في ذلك إذ عرف المجتمع على مدي تاريخه المديد أنظمة قيم لا ديمقراطية تنالت عليه حتى منتصف القرن التاسع عشر حين بدأت إرهاصات أول تجربة نيابية ذات طابع ديمقراطي ولكن الاحتلال البريطاني حال دون استمرار هذه التجربة وقبل أن تكمل التجربة التالية التي بدأت بإصدار دستور 1923 عقدها الثالث أنهتها ثورة 1952 التي جاءت بمفاهيم أخي للحياة السياسية . وحال انقطاع التجربتين على هذا النحو دون انتشار الثقافة الديمقراطية في المجتمع كما أدي إلى ضعف تكوين النخبة السياسية التي كانت موجودة حين بدأت التجربة الثالثة التي ما برحت مستمرة بمعدلات بطيئة نجد سببها الأول في ضعف الثقافة الديمقراطية وهشاشة تكوين النخبة السياسية بما فيها بالطبع النخبة الحزبية المعارضة ونخبة المجتمع المدني فقد ظلت الثقافة السائدة مزيجا من القيم التقليدية والأبوية والتقاليد التسلطية والنزعات الشمولية بدءا من الأسرة وحتى النظام السياسي كما بقت النخبة السياسية هشة ومشوهة في بعض الأحيان وهذا أمر مفهوم تاريخيا فلم تكد نخبة منتصف القرن التاسع عشر تعرف طريقها للضغط من أجل محاصرة الحكم المطلق وتنتزع أول مجلس نيابي حقيقي وأول وثيقة دستورية ديمقراطية حتي جاء الاستعمار البريطاني ليقوض هذه النهضة في مهدها وأدي وجود الاستعمار إلى تصاعد أهمية المسألة الوطنية على حساب الديمقراطية . فأصبح الموقف من الاستعمار , ثم من الغرب الآن يتصدر جدول أعمال النخبة السياسية وتراجع الاهتمام بمواجهة الاستبداد الذي بات مقبولا بل موضع تأييد ما دام يواجه الغرب أو حتى يرفع شعارات زائفة ضده .