حدود الحماية

بقلم: 

مفردة قلبت المعنى، وأوردت مضموناً مغايراً للقصد المتوخى من إحدى فقرات المقال، فقد ورد في مقال “ رجل العام “ أننا كأردنيين “ رفضنا الحل السياسي في سوريا والعراق واليمن “ بدلاً من النص الذي يجب أن يقول ويُفهم منه أننا “ فرضنا الحل السياسي  وعملنا من أجله “ فالمفردة “ فرضنا “ تغيرت بالمفردة “ رفضنا “ فغيرت من المعنى ومن المضمون، فالأردن كان سباقاً لفكرة الحل السياسي لأزمات الأقليم، ولم يرفض الحل السياسي بل رفض إعتماد الصراعات المسلحة بين الأطراف، ورفض التورط فيها ومعها، وبعد سلسلة الاقتتالات البينية والحروب الأقليمة الدولية التي دفعت شعوبنا ونحن معها ثمناً لهذه الحروب العبثية، غير المجدية، غير العادلة، بين الأنظمة وخصومها في ليبيا ومصر وسوريا والعراق واليمن ولم تسلم غيرها، وتفجرت بين مكونات الشعب الواحد، بين سني شيعي، عربي كردي، مسلم مسيحي، بل وبين مكونات اللون الواحد والتيار الواحد، بين الإخوان المسلمين وولاية الفقيه، وبينهما وبين تنظيمي القاعدة وداعش، وفي بعض الأحيان بين الفصيلين الجهاديين نفسيهما، بين داعش التي انقسمت عن القاعدة، وهكذا حروب متواصلة، بعد سلسلة هذه الحروب البينية توصلت الأطراف الفاعلة إلى ضرورة “ الحل السياسي “ في ليبيا وسوريا واليمن والعراق، وتم ذلك بعد حدثين بارزين الأول الاتفاق النووي الإيراني مع عواصم الدول الكبرى وفي طليعتها واشنطن، والحدث الثاني التفاهم الروسي الأميركي في موسكو على أثر زيارة كيري لها، وانعكس ذلك على مجمل ملفات الأزمة والصراعات والحروب التي ستجد أطرافها أنها لا تملك ممولاً لاستمرارية خيارها المسلح.

في عام 2014 زرت العراق ووصلت إلى المناطق الساخنة، وتخفيت وتلثمت وغيرت من شكلي ومظهري وتسللت إلى مناطق خطرة، حتى أكمل المشوار لإنهاء كتابي الذي نشر على حلقات تحت عنوان “ تنظيمات إسلامية عابرة للحدود “ وقلت في حينها: إن داعش “ حررت “ الموصل والأنبار واستولت على بضع محافظات عراقية، وخلصت إلى نتيجة كتبتها من العراق ومفادها أن لا حل قريبا مع داعش، ذلك لأن داعش جبهة موحدة ضد ثلاثة خصوم غير موحدين وهم السنة والشيعة والأكراد، فالسنة يقاتلون داعش والقاعدة بنصف قوتهم، والنصف الآخر مسخر لمواجهة الشيعة والأكراد، والأكراد يقاتلون داعش والقاعدة بنصف قوتهم ونصفهم الآخر مُجند ضد العرب السنة والشيعة، والشيعة يواجهون “داعش” والقاعدة، بنصف قواتهم، وباقي قواتهم تتصدى للسنة وللأكراد، وهكذا نجد أن القتال سجال بلا نتائج على الأرض، ولذلك خلص الأميركيون في حينه إلى أن مواجهة داعش والقاعدة يحتاج لسنوات حتى يتم إنهاء سيطرتها على مناطق شاسعة يملكون من خلالها المال الذي حصلوا عليه من البنوك وبيع النفط والجزية، وأخذوا السلاح الأميركي الحديث الذي تركه جيش نوري المالكي وهرب، ولديهم الحاضنة الشعبية من ثمانية ملايين إنسان تعرضوا للتهميش والاقصاء والثأر على يد حكومة وجيش وميليشيات المالكي الطائفية.

خيارات الأردن بقيت متوازنة في ظل هذه المعمعة غير المسبوقة من الحروب البينية الممولة من إيران والخليجيين وتركيا، ومن طرفي الصراع الدولي أميركا وروسيا خدمة لمصالحها، روسيا تقاتل لإبعاد شبح المواجهة الداخلية عندها وحفظاً استباقياً لأمنها، فهي تقاتل الشيشان على أرض سوريا، وتعمل على عدم نجاح مشروع مد إنبوب غاز قطري عبر سوريا بديلاً لأنبوب الغاز الروسي الذي يُغذي أوروبا، وتركيا تقاتل خارج حدودها حتى تمنع القاعدة وداعش من الوصول إلى مجتمعها، وتدعم الثورة المسلحة في سوريا كي تمنع تمرد الأكراد ( 20 مليونا ) والعرب ( أكثر من مليونين ) ضدها على أرضها، وإيران دولة مليئة بالتناقضات القومية من الفرس والبلوش والعرب والأكراد، فالمرض العربي الذي تفشى بين العرب والكرد، وبين السنة والشيعة، قد يجتاح البلدين المجاورين وينسف الوحدة المجتمعية لديهما في تركيا وإيران، ولهذا تسعى كل من طهران وأنقرة لتوظيف المسلمين الشيعة من قبل الأولى لصالحها، وتعمل الثانية لتوظيف المسلمين السنة لصالحها، وهكذا يتم توظيف كل الأوراق المتاحة عندنا لصالح صراعاتهم ومصالحهم على حسابنا.

الأردن محمي بسبب ثلاثة عوامل أولها حدود مغلقة بقرار سياسي أمني دولي، وفرت أجهزة متطورة تكشف كل عمليات التهريب والتسلل، وثانيها أجهزة يقظة مفتوحة العيون تتوسل توفير الأمن والحماية لبلدها وشعبها، وثالثها سياسة حكيمة حمت بلادنا من التورط في هذه المعمعة، وعدم الانحياز لهذا الطرف أو ذاك باستثناء العمل الجدي ضد الإرهاب والتطرف ومحاولات المس بأمننا الوطني، هذا المثلث المتوازن هو الذي حمى حدودنا من الخارج .