الصراع السعودي الأيراني الأسوأ

بقلم: 

نعم علينا واجب الوقوف مع العربية السعودية لأنها بلد عربي ، وعلينا الوقوف مع إيران لأنها بلد إسلامي ، وهذا مصدر القلق لدينا ، ودوافع الحرج عندنا ، ولهذا لا نبحث عن ذرائع للوقوف مع العربية السعودية ضد إيران ،  فهي متوفرة وبكثرة وبقوة ، ولا نبحث عن مبررات أقوى للوقوف مع إيران في مواجهة السعودية فهي موجودة ويمكن تظهيرها بسهولة ويسر ، ولكن علينا حقاً لإسباب مبدئية ومصلحية ، تجنباً للخطر الداهم ، وتحاشياً للدمار المتوقع ، وإلتزاماً بقول الحديث الشريف " إنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " فالوقوف معه مظلوماً حق وواجب وضرورة ، ولكن المشكلة والشجاعة أن تقف معه وهو ظالم ، لأنك يجب أن تعمل على ردعه من ممارسة الظلم والتعنت والتصلب والمغامرة ، وفق تفسير مضمون ودوافع الحديث الشريف .

سياسياً ، ثمة خلافات وإجتهادات ومصالح متضاربة بين البلدين ، وفي أحيان عصيبة وقفت السعودية مع إيران لمواجهة خصوم مشتركين ، فكلا البلدين عملا تحت الراية الأميركية لتقويض الإحتلال السوفيتي لأفغانستان وهزيمته ، مثلما وقفت الرياض مع طهران تحت الراية الأميركية لإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين القومي .

وإذا لم يكن لدينا مصلحة قومية في توظيف الأسلام والجهاد والأموال لتحرير أفغانستان من السوفييت ، فقد دفعنا ثمن إسقاط النظام القومي في العراق ، وها هم العراقيون بكل مكوناتهم ، عرباً وأكراداً ومسلمين ومسيحيين وسنة وشيعة يدفعون تمويل إحتلال العراق ، وها نحن معهم ندفع الثمن في خراب بلد عربي كان رافعة للعرب وللمسلمين ، وتحول إلى عبءٍ على شعبه ، وولاية تابعة لخيارات النظام الأيراني وتطلعاته التوسعية تحت غطاءات الثورة وتوظيف الدين والطائفة لمصلحة أجهزته وأجندتها وحساباتها .

وها هي العربية السعودية تخوض حروباً سياسية وإقتصادية متعددة لم تجلب نتائجها بارقة أمل للأمن والأستقرار رغم أنها تحتل البلد الأول في إنتاج وتصدير النفط ، فهي تخوض حروباً بينية في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وتغذيها بما يتوفر لديها حسب الأولويات ، تستنزف مواردها ، وتخوض حرباً إقتصادياً بهبوط أسعار النفط قلصت من مواردها ، مما حملها أعباء جعلت موازنتها تسجل عجزاً معلناً يتجاوز 87 مليار دولار أميركي .

وإيران ليست أفضل حالاً وإن كانت تفاهماتها مع كل من أميركا وأوروبا أنهى صراعها المعلن معهم ، وفك الحصار عنها ، وتم الأفراج التدريجي عن أموالها المجمدة المقدرة بأكثر من سبعين مليار دولار ، فهي تخوض حروباً متعددة وتفتح جبهات ساخنة في سوريا والعراق واليمن تستنزف طاقتها المالية والأقتصادية والبشرية على حساب رفاهية شعبها الأحق بهذه الموارد المسخرة لمغامرات توسعية تحت غطاءات مختلفة .

لقد سبق لإيران وأن تحالفت مع الشيطان الأميركي الأكبر في أفغانستان والعراق ، وتفاهمت مع واشنطن لتنصيب حكومة المالكي ، وتعاونت مع واشنطن لإزاحة المالكي الذي يملك حزبه الكتلة البرلمانية الأكبر في البرلمان العراقي ، وتم إختيار العبادي بالتعاون بين طهران وواشنطن لمواجهة داعش والقاعدة ، ومن العاصمتين تتلقى حكومة العبادي الدعم والأسناد والرعاية ، ولذلك لا أحد أحسن من أحد ، ولا أحد أفضل من أحد بالتعاون مع واشنطن والتفاهم معها ومع سياساتها في المنطقة ، من قبل طهران والرياض على السواء .

وسياساتهما الداخلية تتصف بالحزم والرؤية الواحدة الضيقة ، ورفض أي نفس أو رؤية تعددية أو تقبل بالمعارضة ، وغالباً ما ترى المنظمات الدولية تجاوزات لديهما على حقوق الإنسان ، فالحال من بعضه ، وكلتا العاصمتين لا تدعي الديمقراطية ولا تقبل بالتعددية ولا تستصيغ قيم حقوق الإنسان ، فكل منهما لديه إجتهاداته ورؤيته الأحادية التي لا تقبل الأجتهاد .

ولذلك مثلما دفعت فلسطين ثمن غياب حضورها السياسي والأعلامي والمالي ، وغياب الدعم المطلوب لها ، بسبب الحروب البينية التي تجتاح أرض العرب وأنظمتهم وتفسخ شعوبهم ، فها هو الأردن أيضاً يدفع ثمن هذه الحروب البينية من اللاجئين المتدفقين إلى أرضه من سوريا والعراق وحتى من اليمن وليبيا ، ويفتقد للمساعدات الملحة لتغطية إحتياجاته الضرورية ، فالأولوية لدى الخليجيين تغطية إحتياجات الحروب البينية في ليبيا وسوريا والعراق واليمن ، وتكديس السلاح ، ومواجهة مأزق تدني أسعار النفط ، وها هو لبنان يعيش الأنقسام وبلا رئيس منتخب ، وأول مظاهر وتداعيات الأزمة فشل إختيار فرنجية رئيساً للجمهورية ، من قبل كتلة المستقبل وحزب الله . 

ولذلك لا مصلحة لنا كفلسطينيين وكأردنيين وكعرب ومسلمين ومسيحيين وسنة وشيعة إنفجار حرب جديدة ، ستكون نتيجتها دمار دول الخليج وفقدان تقدمها الحضاري ، وفقدان سوقها لعمالة الأردنيين والفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم الضرورية .

التفاهم الأميركي الروسي ، سيشكل عقبة في مواجهة التصعيد الإيراني السعودي ، وقد يتقدم بعض الحكماء العرب خطوات إلى الأمام لنزع فتيل الأزمة ، أو هذا هو المطلوب منهم ، وهذا مطلب مُلح ، حماية للعربية السعودية ولإيران الأسلامية وردعهما عن التمادي في التصعيد ، لأنه يصب فقط لمصلحة العدو القومي الواحد المستفيد مما يجري بين العرب ومما يجري داخل صفوف المسلمين ، وهو لا شك يلعب دوراً مخفياً وإستخبارياً لتغذية الصراعات الداخلية بين العرب وبين المسلمين ، كي يبقى المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي وحده الأقوى في المنطقة ، بالتعاون مع كل من تركيا وأثيوبيا وقد تصل تفاهماته إلى إيران ، ، وكما فعل في جنوب السودان وشمال العراق ، يفعل في مناطق أخرى وسيفعل ، على قاعدة " فرق تسد " .