حياتنا بين تفكير وتكفير

بقلم: 

ابتدأت الدقائق الاولى من العام الجديد مع  تفجير كبير في كابول وحريق هائل في دبي وتسليم اكثر من عشرين جثمان شهيد اثقل اجسادهم الجليد لاشهر عديدة.. وتكهنات وترقبات لعمليات ارهابية كثيرة. كما في العام الماضي عندما بدء بمذبحة للحوثيين وهم في المسجد يصلون…

وبينما لا تزال لائحة امنياتنا للعام الجديد لا تزال في طور التحضير .. اكثرها على الاغلب تمنيات واحلام تمنيناها في العام السابق وغيره ..

ولا نزال نحلم في كل عام ، وفي كل مناسبة بغد افضل ..نقتنص فرص المناسبات وننتظر حتى البصارين والمنجمين ليخبرونا ما سيحل بنا وما حل .. ونرفض دائما بأن نقف امام انفسنا ونراجع احلامنا وامانينا التي لم تتحقق … التي لم يحققها العام الماضي ولن يحققها العام الحالي ولا الذي سيليه … لأن الاحلام لا تحقق بالتمني ..

لان الاحوال لا تتغير بالرجاء … ولآن الانجازات لا تحسب برفع اليد الى السماء .

ربما انغمرت بداخل نفسي خلال العام الذي اودعناه في صناديق الماضي بين مفاهيم فكرت فيها كثيرا ، حتى ظننت اني الوحيدة التي ادركها ، حتى تيقنت من جهلي الدائم والمتجدد عندما تعرفت على مفكرين معاصرين أقاموا ما يشبه الثورة الفكرية التي كلفتهم حياتهم في الكثير من الاحيان كنصر ابو زيد وفرج فودة وغيرهم .

في الرحلة نحو المعرفة ، تدخل في محيط على زورق لا يكاد يبحر في نهر ..حتي تجد نفسك عاريا تماما أمام بحر لن ينقذك منه الا انتقالك الى سفينة تتسع ما يخبئه لك افق المحيطات والبحار المهيبة .وهكذا تصبح افاق ما تعرف فيما بعد اكبر من ادراكك لما كنت تظن انك تعرف وممكن ان تعرف.

باللحظة التي نبدأ بها في التفكير يتحول عالمنا الى عالم متحرك خصب فاعل مختلف عما كنا نعرف. عندها وفي تلك اللحظة نبدأ نحن بالتحكم في مجريات حياتنا وليس العكس…

تصبح التمنيات بالعام القادم قرارات نريد تحقيقها ، ويصبح العام الماضي جرد لما حققناه وما اخفقنا به …

حياتنا بعيدة عن الفكر والتفكر .. فنحن حملنا وزر امرنا منذ زمن الى الله .. مدعين ان بجعبته خلاصنا وملاذنا . وسلمنا ان الوصول الى الله هو عن طريق ما قيل لنا من المفتي والشيخ والكاهن..

ما جرى في العام الفائت من ظهور مدوي لداعش من اللاشيء الى تربعها في المشهد الحالي من كل الاتجاهات يؤكد الخلل الموجود في التطبيق الاسلامي .

فلقد سلمنا طوعا لان يكون الاسلام الذي بدأ بالتشجيع على الفكر والتفكر من كلمة ” إقرأ” ، أداة بيد من قرروا تنصيب انفسهم رعاة الدين من مفسرين ودعاة وأقطاب شريعة وتشريع . آصبح امر الفكر الاسلامي مرتبط فقط باولئك الذين درسوا العقيدة وعبروا أروقة المدارس الدينية ووقفوا على المنابر . مسكوا بزمام الدين والدنيا ، حتى سلمنا لهم عقولنا وعقلناها بأقفال رميت مفاتيحا في غيابات عمق داكن . فتحول كل ما لا يمت بفكر ذلك المفتي او الشيخ او رجل الدين هو كفر يؤدي الى تكفير من لا يلحق به .

فكلنا نتبع هذه المدارس العقائدية سواء بالمتشدد منها كتلك التي اوصلتنا الى داعش ، او المعتدلة منها والتي تذهب في اقصى اعتدالها الي الاشعرية  وهي ايضا ادت الى داعش. واي ما يقبع فيما بين من المدارس كالمعتزلة وما لحقها يكون اتهامه بالزندقة في احسن الاحوال . وفي هذا الزمن فهو مرتد كافر.

وبين ما نهيم به كمسلمين بين مدرسة اشعرية ازهرية بمفهوم القرن ، وبين مدرسة ظاهرية سلفية وهابية . انحصرنا او حاصرنا انفسنا في التفكير فقط باحد هذين القطبين . مقتنعين بأن ما هو معتدل غير متشدد فهو افضل . وسمحنا لانفسنا ان نكون في شباك من قرروا سواء بتشدد او باعتدال ان يسيروا لنا امور ديننا ودنيانا . ومشينا طوعا مع اي من الفريقين في تكفير من لا ينتمي لاحد هؤلاء القطبين .

فبالخارج اما ان تكون شيوعيا ام علمانيا وهذا يطلق عليك باي من هاتين الحالتين صفة الالحاد ومن ثم فقد تقع عليك الرده وبذلك تصبح كافرا.

والنهاية كانت داعش، لاولئك الذين لم “يرتدوا” او “يلحدوا” في جل ما شهدوه من دماء تسفك في السنوات الاخيرة تحت لواء الله . فداعش كانت الخلاص الاخير لمن لا يزال يطمح في جهاد في سبيل الله . فكيف نستغرب ونحن نعيش منذ اول نشأتنا بحياة تحولنا الى تكفيريين. نعلم بدءا سماحة الاسلام وانفتاحه على العالم. ونرى انفسنا تدريجيا ننتمي الى مدرسة او اخرى في كل احوالها اقصائية للاخر . حتى وصلنا الى ان اصبح هذا الاخر هو انت . كل من ليس معي هو ضدي وبالتالي هو عدوي وعدوي دائما كافر .فلقد تربينا على طريقين أديا في نهايتهما الى داعش…

كيف نستغرب من داعش ، ووننبذها وهي جزء من مكنونات عقولنا .

فالانسان المسلم تربى وترعرع على ان الاسلام دائما يتعرض لمؤامرة من آعداء الله . وان المؤامرة تحاك على مدار الوجود الاسلامي ، وعلينا عدم الاستئمان لكل من يخالفنا . فنحن دائما نحيط انفسنا في دوائر انعزالية تقصي من لا ينتمي الينا . ندعي الحب والتآخي وبداخلنا هوس من مؤامرة وكره الاخر لنا . وبقينا نسقي ظمأنا بهذا الفكر التكفيري الذي بني على وعي زائف بلا اي معلومات معرفية حقيقية . اصبحت كل مكنوناتنا من معلومات تعتمد على اقاويل شيخ يدعي معرفة الله ورسوله في كل شيء .. ومشينا طوعا مستغفرين الله مما قد تقترفه نفوسنا واجسادنا اذا ما لم يرض عنا الشيخ ونتحاشى فتوى امام ضدنا . فلا يمكن المجادلة في امور الدين الا لمن درسها وتمكن منها علما ويقينا . مع ان القرآن نزل عربيا مبينا مفسرا نفسه ، وللعالمين نذيرا . بلغنا مرارا وتكرارا بان نتفكر … ولكنا تركنا امور الفكر للتكفيريين منا .. واصبحنا عبيدا لفتاويهم واهوائهم .

وفتحنا اعيننا فجأة على هول داعش… لننظر حولنا ونرى ان اقرب المقربون منا قد يدعموهم .. لان داعش تلبي احتياجات الفكر الذي تغذى على الاقصاء والمؤامره . فداعش اصبحت الملاذ والخلاص..وهناك من لا يزال يبحث عن فتوى بجواز الاحتفال مع المسيحيين بعيد الميلاد ، ومن يريد ان يكفر مفكر  ، ومن يفتش عن فتوى لتحليل السبي والزواج ببدعة جديدة ومن يريد تحريم رأس السنة ومن يريد  من انطلاقة فتح هي شعلة بدء السنة.واولئك الذين يؤجلون الاحتفال ليومين احتراما للشهداء…  والخ الخ الخ.

كل عام ونحن بخير