الحوار الفلسطيني مع النفس قبل الحوار مع الآخر

بقلم: 

بيان حاد أصدرته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بحق محمد المدني عضو اللجنة المركزية لحركة فتح مفوض العلاقات مع مؤسسات المجتمع الإسرائيلي وضد محمود الهباش قاضي قضاة فلسطين ، على خلفية مشاركتهما في حوار مع شخصيات إسرائيلية ، في نفس الوقت الذي يتواصل فيه وخلاله عمليات المواجهة الجماهيرية الشعبية منذ بداية شهر تشرين أول أكتوبر 2015 وحتى يومنا هذا ، ضد جيش الإحتلال وأجهزته الأمنية وميليشيات المستوطنين الأجانب في القدس وباقي أراضي الضفة الفلسطينية وسقوط الشهداء من الشباب والصبايا ، في عمليات إغتيال منظمة منهجية تستهدف قتل الشباب والشابات الفلسطينيين المنتفضين ، ومن خلالهم قتل روح المقاومة وإحباط مبادرات رفض الإحتلال لدى الفلسطينيين ودفعهم نحو قبول مشروع الإحتلال الإستيطاني التوسعي ، والتكيف مع برنامجه الأقتصادي ، والرضوخ لسياسات التهويد والأسرلة التي يتبعها ، في القدس والضفة ، ومواصلته سياستي الحرب المتقطعة المرافقة مع الحصار الدائم على قطاع غزة ، إضافة إلى التمييز في مناطق 48 ، ورفض عودة اللاجئين إلى وطنهم وبيوتهم وأراضيهم التي طردوا منها .

بيان الجبهة الشعبية يربط بين سلبية الحوار المكلف به محمد المدني مع المجتمع الإسرائيلي ، وبين سياسات وسلوك المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، موحياً وكأن حالة الرضى متوفرة لدى المدني والهباش ، نحو ما يقوم به جيش الإحتلال وأجهزته ، عاكساً البيان رفض سياسة الحوار وضد محاولات إختراق المجتمع الإسرائيلي الهادفة إلى كسب إنحيازات إسرائيلية لعدالة القضية الفلسطينية ومشروعية النضال الفلسطيني ضد المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي برمته ودحره .

المدقق المتمعن المراقب  الذي يتحلى بالمسؤولية الوطنية ، يرى صواب الموقفين المتعارضين موقف حركة فتح وموقف الجبهة الشعبية ووجاهة إجتهادات الطرفين ورؤيتهما السياسية ، موقف حركة فتح من خلال محمد المدني وفريقه ومهامه السياسية والوظيفية ، عبر محاولات مخاطبة الإسرائيليين وإختراق صفوفهم وكسب إنحيازات من داخلهم لصالح النضال الفلسطيني ، مثلما يرى صواب دوافع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في نقد سياسة حركة فتح الأستفزازية ، حيث الحوار مع “ العدو وتطبيع العلاقات معه “ ، في ظل هذه الأجواء الدامية والأستشهادية ، وفشل كافة مشاريع التسوية عبر المفاوضات المنفردة أو الثنائية .

المراقب المدقق الذي يرى صواب الموقفين ليس إنتهازياً ، أو ممالئاً للطرفين ، أو محاولة إرضاء الطرفين معاً فتح والشعبية ، بل لأن هذا المراقب يرى الفشل في سلوك الطرفين والفصيلين في تعاملهما مع بعضهما البعض أمام إشتداد عمليات المواجهة ضد العدو الواحد المشترك ، فالمطلوب ليس تراجع حركة فتح عن برنامجها الكفاحي المطلوب والضروري في محاولة إختراق المجتمع الإسرائيلي ، وليس البديل عن ذلك برنامج الجبهة الشعبية اليساري في مقاطعة المجتمع الإسرائيلي لأن المجتمع الإسرائيلي برمته ، إستيطاني إستعماري توسعي عدواني عنصري ، فالذي يكتبه وينشره جدعون ليفي وزميلته عميرة هيس ويفضحان سياسات الإحتلال ضد الشعب الفلسطيني لا يملك العديد من الكتاب الفلسطينيين قوله وفعله ، وما يؤديه النائب دوف حنين يفوق أداء العديد من زملائه من النواب العرب الفلسطينيين في القائمة المشتركة ، وهذا يعني أن “ ليس كل تفاح السلة معطوب ولا يصلح أكله “ ، إضافة إلى بواسل بعض الإسرائيليين الرافضين للإحتلال وللإستيطان والمشاركين مع بواسل الشعب الفلسطيني في الأحتجاجات ضد الإستيطان وسياسات الإحتلال وفضحها .

المطلوب من طرفي المشاركة السياسية ، رفاق النضال ، حركة فتح والجبهة الشعبية ومعهما الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب وحركة فدا وباقي الفصائل في إجراء النقاش الداخلي والحوار الجدي في إطار المؤسسات الفلسطينية المختلفة والتوصل على أرضية هذا النقاش المسؤول والحوار البرنامجي ، إلى صيغ من التفاهم والشراكة وتوزيع الأدوار بما يخدم المصالح الوطنية للشعب العربي الفلسطيني نحو إستعادة حقوقه الكاملة غير المنقوصة ، فالحوار والتوصل إلى صيغ الشراكة الحقيقية عبر العناوين الثلاثة : 1- مؤسسة تمثيلية موحدة وهي منظمة التحرير ، 2- برنامج سياسي مشترك ، 3- أدوات كفاحية متفق عليها ، هو الذي يختزل عوامل الزمن ويوفر الأرضية المناسبة لمواصلة الكفاح ، ويجعل الأداء والفعل الفلسطيني مؤثراً على طريق تحقيق الأنتصار ، إنتصار المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي وهزيمته .

فالعلاقة الفلسطينية مع المجتمع الإسرائيلي محكومة بثلاثة عوامل : أولها أنه مجتمع عدو يجب العمل على إختراقه وتفتيت صفوفه ، وثانيها أنهما جيران وعلى الفلسطينيين إختيار الكيفية للتعامل والتعايش معه ، وثالثها أن من بعض صفوفه أصدقاء يجب التعاون معهم ، وهذا يتطلب سياسة فلسطينية موحدة مشتركة متفق عليها سلفاً بدلاً من سياسة رمي الكرة في وجه الأخر كما هو حاصل بين حركتي فتح وحماس ، فهذه السياسة التصادمية أدت إلى الكوارث التي يعيشها الشعب العربي الفلسطيني ويدفع ثمنها غالياً من حياته وعلى حساب حقوقه ولصالح عدوه الذي لا عدو له سوى الإحتلال ومشروعه وأجهزته .