نحن والتطرف : حرب ام احتضان ؟

بقلم: 

باتت كلمة تطرف تأخذ الكثير من المكانة في استخداماتنا اليومية للكلمات . فكما الاسلام كلمة يخشاها الغرب ويستعملها للترهيب عند الارهاب . اصبح التطرف الكلمة التي نستعملها في يومنا لمحاربة من يخالفنا ويختلف عنا.
فقبل البدء من الاجدر بنا القيام بتعريف لما نفهمه وما نراه وما نقرر بآنه تطرف . وما من ادنى شك ان هناك حاجة ماسة لنا لنفهم ما تعنيه هذه الكلمة بالنسبة لنا وكيف نعرفها . فلا شك ان تركيز العالم اليوم على هذه الظاهرة التي اصبحت وجودية مهمة . ولأننا نعيش في عالم صغر حجمه وذابت حدوده مع التطور التكنولوجي واتاحة الفرص للجميع بمشاركة وعيش ما يعيشه وما يتعايشه العالم الذي يختاره .
التطرف الذي نحاربه بكل ما اوتي لنا من قوة ومقدرة هو جزء من كينونتنا العربية التي تدفعها العاطفة . فنحن شديدي التطرف في التعامل مع حواسنا . نأكل بشغف ونحب  ونكره بشغف ونحزن ونفرح بشغف ... تدفعنا عاطفتنا نحو الحكم على الامور والتعامل معها والحكم عليها... ومن ثم يآتي ما اوزع الله علينا من عقل وتعقل .
متابعة ما يجري حولنا في وسائل الاتصالات بالاعلام المكتوب والالكتروني ، جعلنا ننقسم الى فريقين لا ثالث بينهما ، متطرف وآخر . فليس مهم من هو المتطرف في هذه الحالة ، لاننا نتطرف في فكرنا امام حكوماتنا الفاسدة والطاغية ، وتتطرف الحكومات امامنا في تفريغ اجنداتها المختلفة علينا . ونتطرف في تبعيتنا وولائنا الى هذا الحاكم او ذاك القائد ، كما نتطرف في كرهنا ورفضنا لذاك الحاكم او القائد . انتماآتنا العمياء لجماعات بعينها ورفضنا القاطع لجماعات بعينها .
وننقسم في ولاآتنا بانقسامات قبلية تشكل هوياتنا . فنحن ننتمي وبقوة لهوية اثنية تمثل من نحن من افكار وشعارات وايمانات. ننسب هذه الهوية احيانا لدين بالاصل بريء براءة الذئب من دم يوسف ، او لعرق يمتاز بصفات لا نحمل منها الا الاسماء .
واذا ما كان التطرف من صنيع الرجل المتحكم بالعالم الذكوري الذي يسوده قوة الذكورة فعلا وصفة. فان المرأة منا تسهر على التأكد من الحفاظ على هذه الذكورة محافظتها على أهم ممتلكاتها . أهي نتيجة طبيعية لمبدأ التبعية التي نشأت عليها المرأة المسلمة في مجتمعاتنا العربية والتي توارثتها لتصبح جزءا لا يتجزأ من مجموع قيم ومعايير فرضت عليها وسلمت لها واصبحت يوما بعد يوم دين يحكمها؟
ام ان التطرف صفة انسانية ننشأ على اساسها وفي ظلالها كمجتمعات وافراد. فنحن نتوزع فيما بيننا ضمن فئات تحكمها حياتنا ، فقد نبدأ بتطريف انفسنا بين آبيض وآسود. بين مدني وقروي وفلاح . بين مسلم ومسيحي ويهودي وبوذي. بين سني وشيعي . بين داعش والقاعدة . بين شيوعي وتحريري . بين كافر ومؤمن.  بين امرأة ورجل. صفات نطلقها ونقررها بلحظة وقوع نظرنا على الجانب الاخر ونبدأ بلا أدنى وعي الحكم المسبق على الاخر امامنا وادراجه تحت قائمة احكامنا ثم ندعي وبكل براءة عدم تطرفنا وانحيازنا .
فالحقيقة تكمن ان ذاك المتهم امامنا بالتطرف ليس اكثر من انعكاس تام لنا . الصورة التي نكبر على تأملها منذ وجودنا ووعينا ، ونحرص على ان نتربى ونربي ابناءنا عليها . ونترعرع مع فكر ومجموعة من الأفكار والإنتماآت التي ندافع عنها بكل ما نشعر به ونحمله من شغف . نجعل ولاءاتنا وانتماءاتنا وايماننا بما نؤمن به بحق او بباطل ،  بتقليد او قيم ، هو جل وجودنا وما يمسكنا بتواجدنا على هذه الحياة. وكأن الإنسان فينا هو اخر اهتماماتنا ، فمجموع ولاءاتنا وانتماءاتنا اكبر من انسانيتنا التي نخص فيه الانسانية بأحقيتها بمن نقرر انه يشبهنا وينتمي الى انتماآتنا.
فالتطرف هو ذلك الكائن الملازم لوجودنا وكينونتنا الذي تغذى من روحنا وحواسنا وترعرع بداخلنا كبر معنا . وحضنناه في كل ما اوتي لنا من مشاعر وشغف وانتهينا بخيانته العلنية والتخلي عنه والتملص منه واعلان براءتنا منه ، وكأنه احد طبائعنا البشرية المتسمة بالخيانة والرياء. فبينما نسب التطرف الخارج عنا نستمر باحتضان ذاك المتطرف فينا ، ونصر بكل ما اوتينا من عناد وكبرياء بالاعلان عن وسطيتنا وليبراليتنا وسماحتنا شعوبا وديانات ...