دعم الدولة المصرية من الناحية السياسية

بقلم: 

إن الفهم الوظيفي للدولة، باعتبارها مجموعة من المؤسسات التي يمكن أن تتوزع كما ولو كانت منتجا، باستعمال بعض مبادئ التصميم المؤسسي يمكن أن يؤدي بالفاعلين الخارجيين للتركيز على القضايا التي تبدو  أنها تساعدهم على التنزيل الأسهل من خلال تطبيق مفترض لممارسات تكنوقراطية.

هذه المقاربة تتجاهل حقيقة أن بناء الدولة ليست ببساطة ممارسة تقنية، محدودة في تعزيز قدرات وفعالية مؤسسات الدولة، وإنما هي مقاولة سياسية تنطوي على صراعات سياسية خطيرة تماما مثل   توزيع السلطة الحالية التي تعتبر أمرا مهددا. في رومانيا وصربيا وأوكرانيا، عملية تحديث المحاكم وتحسين كفاءة إدارة هذه القضايا لم يجد إلا معارضة قليلة من قبل الحكومات الوطنية،  لكن تقوية  استقلال القضاء عبر إزالة سيطرة السلطة التنفيذية على التعيينات أو نهائية ألأحكام لقيت مقاومة قوية.

إذن الدولة المصرية بهذا المعنى ليست في خطر وليست في حاجة إلى دعم فالقوانين تحميها، والمؤسسات الدينية تؤيدها، حيث عاشت مصر في فوضى عارمة كما يقال لكن أجهزة الدولة ظلت باقية بقوانينها وبنوكها وجيشها ومؤسساتها الدينية، صحيح أن جهاز الشرطة -وهو أحد أجهزة الدولة- اختل توازنه فتره لكنه لم يسقط ولم يؤثر في تماسك الدولة وبنيتها الاقتصادية والقانونية.

وها هو يستعيد عافيته ويمارس دوره القديم! إذن لا تضحكوا علينا وتقولوا (دعم الدولة المصرية) لأنكم ترغبون في (دعم الرئيس أو الحكومة) بمعنى أن أجهزة الدولة المصرية وقوانينها ودستورها يؤكد مصالح الطبقة الرأسمالية الحاكمة التي تكونت مع نظام الرئيس الأسبق السادات وكل من جاء بعده حافظ على هذه القوانين التي تخدم مصالح الأثرياء وتجور على الفقراء بغض النظر عن الحكومة التي تتولى العمل على تأكيد هذه المصالح.

لهدف ما في نفس يعقوب إن الفقرة الخاصة بالتجرد من الانتماء السياسي المنصوص عليها في وثيقة ائتلاف"دعم الدولة المصرية" ليست مخالفة للقانون ولا تعني تجرد العضو من صفته الانتخابية والتي تنص عليها المادة 6 على أن تغير الصفة الحزبية يؤدي لإسقاط العضوية عنه.

أن نص الفقرة فى الوثيقة يعني الالتزام بما يفرضه الائتلاف فى معالجة مسألة بعينها وعلى النائب أن يلتزم بذلك ويظل النائب في الحزب الذي ينتمي إلية أما من الناحية السياسية فإن إسقاط العضوية من النائب تكون فى يد الحزب الذي ينتمي إليه الحزب فإذا ثبت على العضو وجود أي مخالفة منه أو تعارض مع مبادئ الحزب فإنه يطبق عليه العقوبة التى يراها سواء بالعرض على مجلس تأديب وما خلاف ذلك. النقص في إعطاء الأهمية للسياق الاجتماعي والاقتصادي والتاريخي والمحلي الذي تجري فيه التحولات تم تسجيله بشكل خاص في القارة الإفريقية. كانت هذه هي الحالة في إفريقيا جنوب الصحراء حيث قدمت الجهات المانحة لتقوية العملية الانتخابية، والبرلمان، وإصلاح النظام القضائي والحكم المحلي. ومع ذلك كانت هناك انتكاسات مستمرة وتعثر للانتقال. في الحقيقة، استمرار المساعدات الممنوحة  مكن الحكومات عن للحفاظ على درجة عالية من التحكم من فوق وأسفل في المسار السياسي عبر سياسة المحسوبية.

عادت مركزية الدولة ومؤسساتها إلى قلب التحليلات والتنظيرات السياسية كما تنحت النظريات المعيارية لصالح الانشغال بالواقع الفج فى قبحه وهو واقع لا يقتصر فقط على أداء السلطة ومؤيديها ولكنه وصل أيضا إلى حال الكثير ممن يدعون معارضة السلطوية وهم ليسوا أكثر من شموليين فى انتظار الفرصة، طغت الاعتبارات السياسية على التحليلات العلمية فتحولت الأخيرة فى معظمها إلى طبخات نظرية متشنجة للتخديم على السلطة وأجندتها، فى ظل كل ذلك أصبح على المنشغلين بالسياسة مواجهة توقعات مختلفة ومتشابكة لطيف واسع من الطلاب وأولياء الأمور والزملاء والأقارب والجيران ومهما فعلت سيكون «التصنيف» والاتهام من نصيبك!

ونشبت أزمات كبيرة حول انضمام النواب الممثلين لأحزاب، وعدد آخر من المستقلين، اعتراضاً على سعي السلطة لتشكيل غالبية مطلقة داخل المجلس، فضلاً عن الاعتراض على اسم الائتلاف البرلماني، والوثيقة التي يوقع عليها النائب للانضمام إليه، إضافة إلى عدم وجود رؤية وخطة عمل تحت القبة، ليخلق حالة من الفتنة في الحياة السياسية والحزبية المصرية. –

فيما يبدو مفهوم الدولة مجرداً وغامضاً إلى العديد من التعريفات الأكاديمية والأيديولوجية، فإن بيروقراطية الدولة كأجهزة وهيئات مكونة من موظفين ومسئولين يحظون بسلطة إزاء المجتمع ويسيطرون على قدر من موارده الاقتصادية في إطار الإدعاء بتمثيل الصالح العام لمجموع الشعب، تبدو مفهوما أقل تجريداً وملموساً بدرجة أكبر. لكن مفهوم بيروقراطية الدولة كفاعل سياسي ـ اجتماعي ليس من دون مشكلاته التعريفية كذلك. إذ أنه من الصعب الحديث على الدوام عن بيروقراطية الدولة المصرية كفاعل سياسي أو اجتماعي واحد واع لذاته وبمصالحه وبدوره في مواجهة المجتمع ودعاوى التغيير السياسي أيا كان مصدرها، وقادر على التحرك للدفاع عنها.

ولم يقتصر الفشل على النظام السياسي فقط، بل امتد ليشمل النخبة السياسية التي فشلت في التواصل مع الشباب وقامت بتهميشهم. فقد اعتبرت أنهم مجرد شباب متحمس لا يمتلك الخبرات الكافية التي تمكنهم من المشاركة الفعالة في النظام السياسي، واعتمدت مواقف متنافية مع ما كان يصبوا إليه الشباب من إصلاح سياسي وحرية.

فبدلاً من مساندة هؤلاء الشباب والاستفادة من طاقاتهم في تحقيق النمو الاقتصادي والإصلاح السياسي ارتمت تلك النخبة في أحضان النظام وباتت تتهم الشباب المعارض بالخيانة والعمالة للخارج. حتى أنها بدأت تدعو النظام الحالي إلى ضرب المعارضة بقبضة من حديد. فتلك النخبة التي كان من المفترض أن تكون عوناً للشباب الذي يسعى إلى تحقيق الإصلاح، أصبحت، بتخاذلها، هي من تقف حائلاً أمام التحول الديمقراطي.

إن المجتمعات التي تعوزها مؤسسات قادرة على تهيئة اللاعبين الاجتماعيين الجدد هي المجتمعات التي تنتج حالة يسميها هنتجتنتن بالـ بريتوريانية وهي التي تتخذ فيها المشاركة السياسية شكل الإضرابات والمظاهرات والاحتجاجات والعنف. وتكمن مأساة مصر الحديثة في أنها لم تشهد إلا القليل من أية تنمية سياسية ذات معنى على مدار نصف القرن التالي، وأعني بتلك التنمية السياسية ـ بتعبير هنتنجتن ـ أن تنشأ مؤسسات حديثة تكون بمثابة قنوات سلسة لمشاركة المواطن.

في الوقت نفسه، ظلت التنمية الاجتماعية الاقتصادية تتقدم بسرعة: فبين عامي 1990 و2010 ارتفع مؤشر التنمية البشرية (وهو مؤشر وضعته الأمم المتحدة لقياس مجموع التطورات في الصحة والتعليم والدخل) في تونس بنسبة 30 في المائة وفي مصر بنسبة 28 في المائة. وظهرت في كلتا البلدين عشرات آلاف الخريجين الجامعيين بدون أن ينتظرهم مستقبل واضح، وفي ظل توزيع مختل للدخول يذهب في ظله النصيب الأكبر من مكتسبات التنمية إلى جماعة من المقربين من النظام السياسي. ويبقى تحليل هنتنجتنن لمصر في خمسينيات القرن الماضي وستينياته صالحا صلاحية غريبة لتحليل حالها اليوم.