علي جمعة يرد على زيدان.. ويا ليته لم يرد

بقلم: 

إنتظرت الرد على الدكتور زيدان وما أثاره كلامه عن موضوع الأقصى والمعراج تحديدا . ولأني منشغلة بدراستي بهذه الأمور لم يكن من الصعب ان احاول نبش المراجع المختلفة محاولة للبحث عن الحقيقة. فما أثاره د.زيدان كان ولا يزال بالنسبة لي ، موضوع تكمن أهميته في تحريك صوامع الثوابت في فهمنا ونهج حياتنا . والمعرفة هي الطريق للحكمة المنشودة في وجودنا من اجل توازن عقلاني لكي لا تنهار تلك الثوابت التي تشكل اعمدة البنيان الوجداني الذي يغطينا على رؤوسنا.

ومما لا شك فيه بأن افكاري تصب في مكان خطر ، ومرفوض من قبل الكثيرين . فأنا أنتمي فكريا للمدرسة الفلسفية ، وأقدر نصر آبو زيد ومحمد شحرور وأركون والجابري ، وفرج فودة يحاكي افكاري بكتاباته بطريقة إبداعية.

ومجرد دعوتي للتروي وفتح باب النقاش بدل الهجوم والاستباحة في ما خرج من إثارة في ما قاله د. زيدان ، أحسست وكأنني صرت شريكة للرجل في “جرمه” ، وصرت في أوقات اقول بدءا : أنا لست مع زيدان ” . وكأني اريد رد التهمة عني. مما جعلني افكر بما يدور في فلك د. زيدان منذ شن هذا الهجوم عليه.

فالهجوم يبدأ بمجرد السؤال ، فصرت للكثيرين صهيونية ولو على سبيل المداعبة بالكلام . صار زملائي يبتعدون عن الحديث معي في هذه الامور لان افكاري “مسممة” ، وفي كل مرة قلت فيها : ” يا جماعة، إقرأوا آولا” (ودعوتي للقراءة لم تكن بدعوى الدفاع عن زيدان .فقط من اجل محاولة المعرفة من خلال المراجع) وكنت اضع امام اعينهم صفحات عارف العارف لكي لا يقول احد انني منحازة ، واني استخدم مراجعا مشكوك فيها . فأذا ما اصبح عارف العارف بهذه اللحظات غير عارف ومشكوك المرجع فمن يكون لمقدسي او فلسطيني؟ والحقيقة وللمرة الالف، انا لا ادافع فعلا عما جاء به د. زيدان . ما يحدث هو اصطفاف تلقائي كل لفريق ضد الاخر. من يدافع عن زيدان فهو زنديق او صهيوني او عميل او ينتمي للسيسي او لا اعرف لمن. ومن يهاجمه فهو من اهل الجماعة والسنة وهو ابن الملة الحقة التي لا تسمح بالاقتراب من الرسول الكريم او القرآن.

هناك حالة من الترعيب تمس كل من يمس بهذه المسلمات . شعور مريب يملؤه الرعب. وكأن التفكير محصور فقط بشخوص أئمة يخرج فيض الكلام وصحيحه فقط من افواههم واقلامهم.

وللتنويه كذلك ، انا لست من مرتادي المحاورات التلفزيونية ولا اتابع الخطابات الدينية من فتاوي او دعوات . ولكن هناك حالات ، الكلام المحكي يواجه التباس الكلام المكتوب.

هذه المرة اردت ان أفهم ما الذي يجري بفلك العالم الذي اعيش فيه . حاولت الاستماع للرأي الآخر . ولا انكر انني سرعان ما هربت . فالهجوم شرس على ما قاله الرجل ، ولا تجد اي مناقشة موضوعية في تلك الاماكن فهناك الهجوم المباشر على شخص الرجل وعلى انتماآته التي اقرها الجميع الآن . وفي العالم الحالي الذي يهاجم الكل فيه الكل ، لم يعد من السهل استقطاب الآخرين مثلي مثلا . فعندما يقول لي أحدهم : انه ينتمي الى السيسي ولقد طلب الاخير منه شخصيا قول ما يقول . واحاول الرد : ماذا عن فضيلة الشيخ علي جمعه؟ نفس اولئك يقولون ان علي جمعة “سيسي” المذهب ، ولكن ما يقوله سيكون بكل الحالات كلمة حق لم يكن من الضرورة اريد الحق منها . فلا بأس وان كان مشكوك بأمره .

وهكذا تستمر المناورات والحوار هو آخر ما يحدث ، والموضوع المتناول نقاشه يكون اخر ما يتم نقاشه . يصبح الموضوع موضوع حرب وصراع على الشخص نفسه ، ويصبح هو الغاية والهدف.

. وأتوقف الآن عند ما قاله فضيلة الشيخ علي جمعه، ولقد استضافه خيري رمضان مقدم برنامج ممكن على قناة السي بي سي المصرية في لقاء منفصل بعد لقاء د. زيدان الاسبوع الماضي. واعتقد ان هذا كان ضروريا وصحيحا. واعترف بانني استمعت لكلام الشيخ علي جمعة مرات عديدة ، لكي لا اقع فريسة لاستعجالي بالفهم من ناحية ، ولرغبتي الحقيقية بفهم رده على ادعاء د.زيدان بشأن الاقصى والمعراج. وهنا لن اتكلم عن هذا . فلقد أفاض الشيخ علي جمعه بحديثه ، وقد يفهمه اهل الجماعة والسنة اسرع مني .

لا استطيع الا ان اعلق في هذه الشأن الا بأمر واحد استدعى اهتمامي وأفزع فرائسي . عندما يقال لنا بأننا كمسلمين لا يحق لنا الاجتهاد على الرغم من انه مسموح به ، الا اننا لسنا اهل علم ودين ، فلا نستطيع فهم ما اريد فهمه ولا يمكن لنا استيضاح ما يمكن عدم فهمه .لذا ، فهؤلاء العلماء يأتوا ليفهمونا “طلاسم القرآن والسنة” التي اختلقوها ورموها علينا. فمن اجل فهم رد الشيخ علي جمعه شعرت بأنني يجب ان اكون عالمة بعلوم الفضاء . يا عالم … اليس الاسلام ذلك الدين الذي نزل ليكون للعالمين من خلال القران برهانا ، على عكس الكتب الاخرى التي تم تحريفها ويصعب فهمها ؟ أليس من حقي كمسلمة عاقلة راشدة ،احاول المعرفة ان اجتهد وافهم كلام الله الذي نزل على رسوله بلغة عربية كي افهمه انا بنفسي؟ هل يحتاج الاسلام الى وسيط اخر بعد الرسول الكريم لكي يوصل لنا ما اراده الله والرسول؟

وهنا لا اريد كذلك الكلام اكثر ، فكما لم اقتنع بكلام د. زيدان ، ولا زلت اظن ان هناك رد عليه . لم أجد في رد الشيخ علي جمعة ما يشفي فضولي بالرد واقناعي. وللحق ، انه اسهل علي ان ارجع لكتب التاريخ والدين والتراث والفلسفة ومحاولة الاستنتاج منها والفهم ، على ان اذهب لكتب الفضاء والفلك لاني لن افهمها بالتأكيد.

وبين العلماء والمشايخ. الاختصاص وغيره على حسب فضيلة الشيخ علي جمعة. اود التوقف عند امر التبس علي بكلامه ، وجعلني ارتاب .

ما قاله بشأن زيارة المسلمين للمسجد الأقصى هو المريب . وهنا أيضا ، اود التأكيد بأنه لاموقف لي بهذا الشأن . فأنا لم أعد أعرف أين يبدأ التطبيع وأين تنتهي المقاطعة. ولا آعرف ولا افهم موقف السلطة الفلسطينية الرسمي بهذا الشأن بين دعوى للتطبيع وللمقاطعة والعكس. ففي الحديث عن الأقصى وموضوع الإسراء والمعراج ، تعرج فضيلة الشيخ الى زيارته الشخصية الى هناك . وإذ بالحديث يذهب الى الشيخ القرضاوي وموقفه من الرفض للزيارة على حسب مضيف البرنامج ، ورد الشيخ علي جمعه بأن القرضاوي كان يرفض الختم على الجواز لا الزيارة.

وقبل الخوض بالحديث ، اريد ان أوكد مرة اخرى ، بأني لا اريد اخذ الكلام من نصابه ، ادعو المهتمين بان شاهدوا الحلقة ليزيلوا اللبس عن اي سوء فهم سواء مني او مما قيل.

قال فضيلة الشيخ ان هناك اجماع على زيارة الاقصى باجماع العلماء المتصدرين الاخذين على مذهب اهل السنة والجماعة بجواز زيارة المسجد الاقصى وانه من الفروضات . الخلاف هو ان نزوره بتأشيره اسرائيلية ام لا نزوره بتأشيرة اسرائيلية. كيف ستدخل الى هناك ؟ مشكلة القرضاوي (بالرغم من الالزهايمر) كانت برفضه لختم جواز سفره من قبل الاسرائيليين . اي انه لم يرد ان يعترف بالاحتلال الاسرائيلي وليس الزيارة. وانه (اي علي جمعه) عندما ذهب للقدس ، ذهب اصلا من غير “باسبور” قائلا: “انا رحت مع الامير غازي عن طريق الاردن. رحت من غير تفتيش وماحدش وقفنا سألنا انتوا مين اصلا لان المكان واسع ومتسع. ..سألت السواق وقال لي هو بيجي مرتين بالاسبوع.. وسألته في حد بيوقفك : قال لي فش حد بيوقفني همه عندهم بشر علشان يوقفونا ؟ اما ايه الحكايه دي كلها .. انتوا بتقولوا لنا معلومات غلط. اهل القدس محتاجيننا “. ..”اجمع المسلمون من الناحية الشرعية هي واجب ولكن ليس من الناحية “السياسية.

سؤالي لفضيلة الشيخ ؟ ما الذي يتوقع المسلم العادي مثلي ان يفهم ان كان من بلاد الله الواسعة الاخرى غير هذه التي اعيش انا بها . .

هنا … اريد ان اسأل .. اذا ما كان العقل العادي الغير عالم بعلوم الدين والمجامع الفقهية خريجي كليات الشريعة والقانون واصول الدين بما يمثله الازهر الشريف والزيتونة والقرويين والامام ابن السعود المتصدرين الاخذين على مذهب اهل السنة والجماعة لا يحق لهم التفكر والتدبر الا من خلال ما يفتحه الله على عقول هؤلاء .فليس لي ان افتي او افكر او اتجرأ من التداول في ما طرحه د. زيدان في هذه الحالة لآن هذه الامور تحتاج الى فقهاء وعلماء الدين . وقد اسلم بهذه النظرية لان اللغة العربية بحرها محيط في عالم الكلام والاستنباط صعب والفقه لأهل الدين من علماء . وأمر الأقصى وما قصد به بالآية الكريمة يكون مكان تداوله في الجامعات الفقهية والشرعية ليس على مقاهي الهاوين.

ولكن…

ما الذي يريده فضيلة الشيخ عندما يصور رحلته بلا معابر ولا حواجز ولا ختم جوازات لبلاد الله الشاسعة؟ هل يطالب مثلا الامة الاسلامية شد الرحال الى فلسطين فالارض واسعة وشاسعة ومن يحتلونها لا يملكون البشر اصلا؟ اذا ما تعدى د.زيدان الوجدانيات في طرح تساؤله او وجهة نظره بموضوع الاقصى والمعراج ، فان فضيلة الشيخ يتعدى على العقول البسيطة التي قد تفهم من كلامه بأن الاحتلال مجرد كلمة والحدود مفتوحة والمدد الاسلامي العربي ممكن ، لولا خوفهم وتوجسهم من التطبيع .

ليرحمك الله يا فضيلة الشيخ ويرحمنا … والله ان الاستخفاف في عقولنا بماض وموروث استحكم اهل العلم منكم على قلوبنا وادراكنا به ، ارحم من ان توهمنا اكثر في هذا الواقع الذي لا نزال نحياه .

كيف تريد ان اصدق ما تأتيني به من معلومات يقينية انت تملك مفتاحها بعلوم الدين عندما تصور الواقع على الارض بهذه الخفة بعقولنا؟