مواقف التيار الإسلامي من تطورات المشهد السياسي الفلسطيني 3

بقلم: 

الخلافات السياسية، فضلا عن تعارض المصالح الحزبية الأنانية الضيقة بين حركتي فتح وحماس، دفع حماس في  حسم خلافاتها مع الرئيس الفلسطيني المنتخب محمود عباس، بالعمل العسكري، الذي أطلقت عليه عملية اسم  “ الحسم العسكري “ واسماه الآخرون بالانقلاب على الشرعية، التي هي جزء منها، ومن ثمة إستيلائها منفردة على السلطة في قطاع غزة في 14 حزيران 2007، حيث لا زالت كل الجهود المبذولة لانهاء الخلاف والتراجع عن الانقسام وإستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية في مواجهة العدو الوطني والقومي والديني الواحد الاحتلال الإسرائيلي، جهودا بلا فائدة، الامر الذي وفر للعدو الإسرائيلي إمكانات التفرد بالوضع الفلسطيني وتوجيه ضربات موجعة لكل الأطراف الفلسطينية، حالت دون تحقيق نجاحات ملموسة للشعب الفلسطيني رغم التضحيات المقدمة في المعارك المتقطعة المتواصلة التي يخوضها في مواجهة الاحتلال، سواء في الضفة أو القدس أو القطاع .

فقد إستطاع العدو إجتياح قطاع غزة ثلاث مرات، خلفت الدمار والخراب في أعوام 2008 و 2012 و 2014، وقام بعشرات الحملات ضد الضفة الفلسطينية، وهو ما أفقد الفلسطينيين روح المبادرة الكفاحية، وشل قدرتهم على الانجاز وجعلهم أسرى محاولات دفاعية، فرضت عليهم استمرار سياسات التنسيق الأمني ما بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية ما بين غزة وتل أبيب ايضا، واستمرت وضعية الالحاق والتبعية الاقتصادية في المنطقتين على حالتها السابقة، وهو ما  ترك تأثيره السلبي على نضالات أهل القدس المفجرين لانتفاضة السكاكين في 3 تشرين الأول أكتوبر 2015، هذه الانتفاضة التي تميزت بروحها الكفاحية الشبابية الشجاعة بدون مشاركة عملية ملموسة من الفصيلين الأساسيين فتح وحماس، حيث لا زالت تفتقد للحاضنة الشعبية بعد مرور شهر على انفجارها مخلفة أكثر من مائة شهيد و2400 معتقل، لا زال طابعها شبابي وغير جماهيري .

فالأولوية لدى الطرفين الفلسطينيين الرئيسين هو التصدي لبعضهما البعض، وتبادل الأتهامات بينهما، ففيما فتح تتهم حماس أنها تمارس التحريض في الضفة، وحماس تتهم فتح أنها تمارس التحريض في القطاع، أصبح التحريض ضد الإحتلال والحالة هذه تهمة بدلاً من أن يشكل ذلك مباهاة لهما أمام الشعب الفلسطيني، ففي واقع الامر فان حركة فتح ملتزمة بالتنسيق الأمني بإشراف وواسطة أميركية منذ عام 1994، وحركة حماس ملتزمة بالتهدئة الأمنية التي تم التوصل لها والتوقيع عليها في عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي يوم 21/11/2012، وتم تجديدها في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم 26/8/2014، وهو الطرف الذي يتولى الأن إدارة العلاقة، سرا وعلانية ما بين غزة وتل أبيب، وعلى قاعدة هذه الاتفاقية المجحفة، يواصل السفير القطري المقيم في غزة التنقل، حاملاً رسائل الثقة المتبادلة بينهما .

ومع الاسف الشديد، فان تطورات المشهد الفلسطيني تسير بإتجاه إستمرارية التصادم بين المشروعين : المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني القائم على التعددية، في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي المتفوق، وبين المشروع الاسلامي ذي الاجندة الاوسع من فلسطين . ولهذا، ورغم كل التحديات المتواصلة والاخطار المشتركة، لم ترتق سياسات الفصيلين الى مستوى الأستجابة لتحديات المرحلة، بما في ذلك الاستجابة لتحديات الفعل الكفاحي الشبابي، الذي فجرته سياسات الاحتلال الهادفة نحو تهويد القدس وأسرلتها، والعمل على تغيير معالمها، لنسف إمكانية أن تبقى المدينة المقدسة درة فلسطين، ومن ثمة وقطع الطريق امام كونها العاصمة الفلسطينية المستقبلية .

واحسب ان التلكؤ في عدم تجاوب الفصيلين الكبيرين مع الأحداث الجارية، لا سيما هبة السكاكين الاخيرة التي إنفجرت يوم 3/10/2015، يعود إلى عوامل تنظيمية ومنافسات جزئية صغيرة، تحتل الأولوية الاولى في إهتمامات قياداتهما، اضافة إلى عوامل إقليمية ضاغطة بإتجاه عدم التلاقي في منتصف الطريق بين برنامجي الفصيلين، إضافة إلى غياب المناخ الملائم والعوامل المساعدة لأنضاج خيار الوحدة والقواسم المشتركة والعودة إلى المؤسسة التمثيلية الموحدة، بل ان الامر يبدو على العكس من ذلك، حيث تعمل بعض عواصم الاقليم على ممارسة الضغط على حركة فتح كي تحول دون إتمام سلسلة الاتفاقات الوحدوية التي تم التوصل إليها، وثمة عواصم أخرى ضاغطة بقوة على حركة حماس لنفس السبب، والشيء المؤسف أن حركتي فتح وحماس تستجيبان لهذه الضغوط ولا تعملان على رفضها في مواجهة العدو الذي يعمل جاهداً على استمرارية هذا الانقسام والحفاظ عليه، لأنه يشكل خدمة مجانية لمصالحه التوسعية الاستعمارية المستمرة .

ولكن ثمة بريق من أمل على عكس هذا كله وعلى نقيضه التام، ثمة تطور نوعي إيجابي ملموس فرضته الأحداث الجارية في مناطق 48، وأملتها سياسة التطرف الإسرائيلية التي تقودها حكومة نتنياهو اليمينية الفاشية، وقوانين الكنيست العنصرية، التي تستهدف إضعاف الدور العربي الفلسطيني وتغييب تأثيره، وقد تجلى ذلك بقانون يهودية الدولة، وقانون رفع نسبة الحسم لدخول البرلمان، وهو ما دفع الأحزاب العربية الى التماسك والبحث عن القواسم المشتركة والائتلاف فيما بينها، لتشكيل القائمة البرلمانية المشتركة  وخوض الانتخابات على أساسها، حيث قدمت تلك الأحزاب العربية بما فيها الحركة الإسلامية نموذجاً يُحتذى للشعب الفلسطيني أساساً، عبر خوض الانتخابات بالتحالف ما بين الاسلاميين والشيوعيين والقوميين والوطنيين،  وإعلاء صوت الوحدة والتماسك في مواجهة سياسات الأقصاء والعنصرية الإسرائيلية .

لقد شكلت محطات الأتفاق بين الأحزاب العربية الأربعة يوم 22/1/2015، وخوض الأنتخابات بقائمة مشتركة يوم 17/3/2015، وإنتخاب محمد بركة رئيساً للجنة المتابعة العليا للوسط العربي الفلسطيني يوم 24/10/2015، مدماكاً قوياً متماسكاً بين مختلف الأطراف السياسية الفاعلة لدى الوسط العربي الفلسطيني في مناطق 48، وعلى رأسهم قائد فلسطيني مُجرب على مدى سنوات مديدة، قاد الجيهة اليمقراطية للسلام والمساواة على مدى سنوات طويلة.

لقد كانت الأستجابة الواعية من قبل طرفي الحركة الإسلامية، بقبول الأخر، بل وقبول شراكته ضمن القواسم المشتركة، خدمة للمصالح العليا للشعب الفلسطيني، بمثابة صفعة مدوية  للقيادات الإسرائيلية، دفعتها لأتخاذ قرارات متطرفة، مستغلة الأحداث الساخنة في المنطقة والعمليات الارهابية التي استهدفت الطائرة المصرية والعاصمة الفرنسية، كي تصدر قراراً مقصوداً في توقيته ومضمونه، ومعتمداً على قوانين الأنتداب البريطاني الإستعماري، بإخراج الحركة الإسلامية التي يقودها الشيخ رائد صلاح عن القانون، وتجريمها وإغلاق مقراتها والمؤسسات الجماهيرية التابعة لها، البالغ عددها 17 مؤسسة مختلفة تعليمية وتثقيفية وإنتاجية .

لقد اعتبر محمد بركة هذه التدابير التعسفية، على انها اجراءات لا تستهدف الحركة الإسلامية وحدها، بل تستهدف جميع القوى السياسية العربية ومجمل مكونات الشعب العربي الفلسطيني في مناطق 48، وعليه ورداً على قرار حكومة نتنياهو، اتخذت لجنة المتابعة سلسلة من الإجراءات والنشاطات الاحتجاجية، بما في ذلك اعلان الأضراب العام، الذي شمل كافة المدن والقرى العربية يوم الخميس 19/11/2015، احتجاجاً على هذا القرار الانتقامي  ورفضاً  له .

وهكذا فنحن نقف اليوم امام صورتين متناقضتين لسياسات ومواقف الحركة السياسية ذات المرجعية الاسلامية الواحدة، صورة الوحدة والتماسك ومواجهة العدو المشترك ببرنامج عمل مشترك، بل وبمؤسسة موحدة في مناطق 48 تضم الحركة الإسلامية بجناحيها مع القوميين والشيوعيين لمواجهة العنصرية والاقصاء والتهميش والفقر، وصورة مناقضة لها، جوهرها الانقسام والتمزق الوطني الإسلامي في مناطق 67، وهي محصلة بائسة تشترك كل من فتح وحماس في انتاجها، رغم انهما ضحيتان لعدو مشترك يتربص بهما معا في وضح النهار.