الرئيس الذي لا تخجله دماء الشهداء

بقلم: 

كنت أتوقع أن يستغل الرئيس "عباس" قمة المناخ التي عقدت في باريس بمشاركة دولية واسعة، ليحاكم قادة الإحتلال الإسرائيلي على جرائم نفّذت بحق الأطفال والنساء والشيوخ والشباب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد أن قامت محاكم الإحتلال بتبرئة قتلة الطفل محمد أبو خضير حرقاً، وبعد كل عمليات الإعدام الميداني التي ينفذها جيش الإحتلال وغلاة مستوطنيه بشكل يومي ومعلن وموثّق، ويفضح مستوى الإنحدار الأخلاقي لجيش مهمته أن يقتل أكبر عدد من الفلسطينيين لمجرد الإشتباه، وفي أحيان كثيرة يقتل على لون البشرة وبدون أن يتعرض لأيّ تهديد يذكر.

تفاجأ العالم وأبناء الشعب الفلسطيني أن أبرز مخرجات "قمة المناخ" هي المصافحة التي جرت ما بين عباس ومجرم الحرب "بنيامين نتنياهو"، الذي يُفترض بأنه سيمثل هو أركان جيشه أمام محكمة جرائم الحرب الدولية، مداناً بمجموعة من الجرائم ضد الإنسانية، وبأعمال تطهير عرقي وقتل على الهوية ينفذها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، على الأقل هذا ما وثقته "الإسطوانات المدمجة" التي سلمها عباس وعريقات لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري في جولات ومحاولات إجهاض الإنتفاضة الفلسطينية.

مصافحة عباس -نتيناهو إسقاط لتهمة الإرهاب التي طُبعت على جبين هذا المجرم بعد أن مارس التضليل على المجتمع الدولي لسنوات طويلة، تحت غطاء المفاوضات والإتصالات وجولات كيري والمبعوثيين الدوليين، ومحاولات كسب الوقت لتوسيع الإستيطان ونهب الأرض وتهويد القدس وإستكمال بناء جدار الفصل العنصري الذي سيبقى شاهداً على أسوأ نظام للفصل العنصري يمارس تحت سمع وبصر المجتمع الدولي.

أقوال عباس تنسفها أفعاله، فكيف يمكن أن يستقيم قوله بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة الإحتلال على جرائمه، في حين يقدم على مصافحة علنية ترافقها الإبتسامات مع الشخص الذي يصدر أوامره لتنفيذ كل الجرائم اليومية بحق الفلسطينيين؟ وما هو الحصاد السياسي الذي سيعود على الشعب الفلسطيني جراء هذه المصافحة؟ وبأي وجه سيعود عباس إلى رام الله ليواجه نظرات الفلسطينيين الذين لم تجف دماء شهدائهم وجرحاهم، ولم تتوقف عمليات هدم ومداهمة بيوتهم وتشريد وإعتقال أبنائهم؟

بات واضحاً أن هذا الرجل لا ينفذ عملاً دبلوماسياً يحصل من خلاله على جائزة نوبل للسلام، ولا يمتلك خطة سياسية تفيد الشعب الفلسطيني سياسياً، ويواصل ابتعاده عن كل ما يخدم الشعب الفلسطيني ويعزز صموده وتلاحمه في مواجهة الإحتلال، ويهرب من معالجة ملفات ضرورية وأساسية في حياة الفلسطينيين كالمصالحة الوطنية وتحديث النظام السياسي الفلسطيني وإعادة إعمار قطاع غزة وفتح معابره المختلفة، ويواصل قطيعته مع آلاف اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، يواجهون مصيراً مجهولاً جراء الحروب والنزاعات وأسوأ أشكال التمييز.

محمود عباس خطراً داهماً على المشروع الوطني، ففي كل تصرفاته ما يثبت عدم أهليته لقيادة حركة تحرر وطني، ولا لقيادة شعب يتجذر في وجدانه هدف التحرر الإستقلال، وإقامة دولة يسودها القانون، وتصان فيها الحريات بعيداً عن حكم العصابات، فقد قام هذا الرجل بكل ما يؤهله للرحيل مع أركان عصابته التي ظنّت أنها حوّلت المشروع الوطني إلى مؤسسة إستثمارية لنهب الشعب والإتّجار بآلامه.

منذ زمن سقط الرهان على قيادة أسقطتها التجربة من وعي الشعب، فلم تعد كل الشعارات الجميلة تخفي بشاعة عصابة تقرر في مصير شعب وتدفعه نحو الإستسلام، وما زالت الحالة السياسية الفلسطينية تبحث عن جبهة وطنية للإنقاذ، جبهة لصيقة بالشعب، تقود نضاله المشروع ضد الإحتلال، وتؤسس لمرحلة جديدة تتظافر فيها كل الجهود الفلسطينية المخلصة لتخطي مرحلة الخطر، جبهة تستعيد كل أوراق قوّة الفلسطينيين وتبني عليها، وتستكمل مهام التحرر الوطني، وتطوي صفحة سوداء من تاريخ الثورة الفلسطينية.