فلسطين بين موطني وموتني

بقلم: 

تحمست كغيري لفكرة غناء نشيد موطني بيوم واحد وبلحظة واحدة كل من مكانه بالوطن وخارجه . وانتظرت اليوم المنشود كغيري بنفس الحماسة .

حتى انني صرت ارسم بخيالي مكان تواجدي وما ذا سألبس . ومن ضمن السيناريوهات كان ذهابي والاطفال الى باب العامود. او النزول الى شارع البيت وتجميع اطفال الحي والغناء سويا في تلك اللحظة. واذا ما سيطر علي الكسل او سوء الاحوال الجوية ، كنت سابعث بتويت او ستاتوس باللحظة.

عندما حولت الكناىس بسوريا الصلاة الى نشيد موطني كانت الرسالة أبلغ من قرع الاجراس وآذانات الجوامع .

ولكن جاء اليوم الموعود للنشيد ، وعلى غرار حالنا تحت الاحتلال حوصرت الخليل ويتم التنكيل فيها عن بكرة ابيها . فهل نبقى على نفس الوتيرة من مقاومتنا بنشيد ؟

افهم ان المغترب الفلسطيني في الشتات سيغني وهذا كل ما يستطيع تقديمه . افهم ان وقفة القدس بباب العامود وقفة جريئة وفيها من التحدي الكثير . اقدر ان يقف الغزيون في اي مكان على اي ركام بغزة ويشاركوا بالاغنية. افهم قوة موطني بساحة المهد بينما تشهد بيت لحم ونواحيها نفس اعتداآت الخليل .

اما ان تكون رام الله مدشنة هذه اللحظة من ساحة المنارة ..فبصراحة لا استطيع هضمها ولا من اي اتجاه . هذا الاغتراب الذي يحدث فيما بيننا ونحن لا نبعد عشرات الكيلومترات عن ارجاء هذا الوطن يشبه استهزاءنا بكلمات موطني من خلال كلمات اليسا.

فرام الله ليست محاصرة وليست بجزيرة منعزلة . ما الذي يمنع اهل رام الله اليوم من الذهاب الى ساحة المهد في عرس جماهيري من اجل موطني ؟

ما الذي يقف امام خروج الجماهير الى نقاط التماس مع العدو عند مداخل المستوطنات والحواجز والصراخ بموطني ؟

اما تجمهر الشعب الفلسطيني برام الله عند المنارة من اجل الغناء موطني فهذا بأقل تقدير يصبح “موتني” .

لست بصدد هدم المبادرة . ولكن هذه المبادرة كانت وسيلة من اجل الصراخ امام العالم الساكت بأن الوطن حاضر في فلسطين . اذا ما تحولت هذه المبادرة الى غاية .فنحن في مأزق كبير .

لن استطيع ان اكون جزءا من حشد جماهيري تحت اكفة امن المقاطعة وحول المنارة في رام الله اغني موطني بينما الخليل تدفع الثمن من اجل الحياة في فلسطين .

الخليل ليست غزة …

ولا القدس حتى …

فالخليل ممكن الوصول اليها اذا ما اردنا فعلا الوقوف مع بعضنا والحشد من اجل كرامة دفعت مسنة حياتها ثمنا بالامس القريب. والشباب يرتقون كالعصافير تحت وابل اعيرة البنادق الغاشمة . كيف نطلق موطني بساحات بلداتنا الآمنة بينما الخليل وبيت لحم وغيرها تحت الحصار والجنازات تنتظر العبور بتراخيص الاحتلال.

ما يحصل في رام الله “أوتن” الوطن ، وجعله خارج ،لا يختلف فعله عن فعل السلطة التي اختارت دور المتفرج المتحسب للحظة الهجوم من اجل اقتناص استحقاق يركبوا من خلاله زوارق نجاة تخصهم ومن خلالها صار ويكون الوطن.

أهم ما حدث في هذه الاشهر هو رجوع الحياة الحقيقية الى نفوسنا من خلال بطولات فردية لا تزال تصرخ بموطني . موطني الجلال والجمال …

موطني الحياة والنجاة …

كيف سأراه سالما منعما في علاه يبلغ السماك

الشباب لن يكل همه ان يستقل او يبيد ..تقول الكلمات .

نستقي من الردى ولن نكون للعدى كالعبيد تؤكد عبارات موطني.

لا نريد

ذلنا المؤبد وعيشنا المنكدا

بل نعيد مجدنا التليد

هذا ما سنردده من الكلمات .

موطني الحسام واليراع لا الكلام والنزاع رمزنا .

مجدنا وعهدنا وواجب من الوفا يهزنا .

عزنا غاية تشرف وراية ترفرف

قاهرا عداك

تصرخ الكلمات اليوم من قلب الخليل قاهرة العدا. فأين نحن من موطني؟

ستخرج اليوم موطني من اصواتنا مباشرة للخليل بينما تهتك وتحاصر وينكل في ابنائها ونقول لهم ..عفوا .. اخوانكم في شمال الضفة يؤازروكم بكلمات اغنية كانت موطني وصارت اليوم موتني.

كيف يكون الوطن في الجنوب موطنا يحمل كلمات النشيد فخرا على كتفيه . ويصبح بتاء التأنيث وتدج الكلمة بموت الوطن الذي لا يزال ينبض حياة ويقف عنادا في وجه العدو ونحن في الشق الاخر نغني لهم مؤازرة وكأننا من جزيرة نائية ة..

كنت ولا ازال ادعو للسلم واذرف دموع كل ام تفقد وليدها وكل حياة بذلت نفسها من اجل حياة وطن ينزف استجداءا لكرامة.

وأعترف باني لن اكون وسط مظاهرة احمل حجرا ولن احمل سكينا ولا اريد هذا لاولادي. ولكن يقيني بان هذا الوطن يبنى مع كل مبادرة . يقاوم مع كل استطاعة . يضحي مع كل شكل . هناك خيط علينا الا نقطعه نحن اولئك الذين لا يعرضون حياتهم للمواجهة المباشرة . سواءا كان ذلك عن قناعة او خوف او مبدأ او غيره. الوطن يحتاجنا جميعا ، ولكن بتناغم . بصوت واحد يخرج في وقته وفي حينه.