خمسة أبطال صنعوا غضبة القدس

بقلم: 

لقد أشعل الانتفاضة الحالية (غضبة القدس) خمسة أبطال هم: طفل رضيع، و فتى يحلم بالطيران، و إمام مسجد، و ملاك جميل، و قائد مناضل، نعم هم خمسة كانوا مشاعلا وكانوا شرارات وكانوا لهبا يدمدم كما كانت المسيرة الوطنية حافلة بآلاف الشرارات والأنفس الملتهبة تلك منها التي تلقى وجه ربها راضية مرضية بإذن الله، أو تلك التي مازالت تقبل تراب فلسطين تنتظر الإشارة.

منذ العام 2014 بدأت الشرارات والحمم تكبر شيئا فشيئا...وتلتهب وتمهد للبركان القادم مع تصعيد حكومة نتنياهو الارهابية الجليّ ضد شعبنا في كل مكان بالضفة وغزة والقدس، ومن الحمم التي تدحرجت حينها للذات الفلسطينية حينما ذهب الفتى الشاب محمد أبو خضير ليلاقي ربه في صلاة الفجر فوجد الإرهاب كامنا في زوايا مدينة القدس، وإذ دافع عن نفسه من بطش وقسوة عقلية غُلاة التوراتيين الإرهابيين فإنهم بعد ان انهكوه ضربا و تعذيبا قاموا بصب الوقود عليه و حرقوه و الآذان يصدح في 02/07/2014 فتوّجه الفلسطينيون و ابو مازن أيقونة الغضبة.

لقد شكل محمد أبوخضير الحالم بمستقبل واسع أنموذج المرابط والصابر في أرض الرباط وفي القدس كما هم المرابطون والمرابطات المدافعون عن القدس بمساجدها وكنائسها، وهم المرابطون في ساحات المسجد الأقصى المبارك الذين استنفروا لتوافد الأرجل الثقيلة من المتطرفين الاسرائيليين برعاية الحكومة ورعاية الأمن الصهيوني ودعمه للاعتداء على الحرم القدسي الشريف بشكل استنزافي واستفزازي  وراءه الكثير من القصد لتحطيم اسلاميته التي لا يرقى اليها الشك مطلقا عندنا وفي العالم، وتخطيطا لاعتقاله تمهيدا لإعدامه.

أما الطفل: فكان يعيش آمنا مستقرا مع أسرته الصغيرة في قرية دوما بنابلس ليُفاجأ هو و أسرته في 31/07/2015 بالمجرمين يُشعلون النار في منزلهم فيموت ، أسمه عليّ وكان رضيعا وديعا صافيا كالحليب فلم يتجاوز عمره عدة شهور، حُرق فتوفى ثم لحقه عدد من أفراد الاسرة تباعا بعد عدة أيام تاركين علامات لا تزول على همجية وإجرام و ارهاب المستعمرين (دعا الوزير السابق عمير بيرتس الى هدم منازل المستوطنين الذين اقدموا على حرق الرضيع الدوابشة فهل يحصل هذا بالطبع لا، بل تكاثرت أوامر القتل لمجرد الشعور بالتهديد إثر احتدام #غضبة_القدس ).

أما القائد فكان الأخ زياد ابو عين عضو المجلس الثوري لحركة فتح ورئيس هيئة مقاومة الجدار و الاستيطان الذي تصدى في كل انحاء الضفة للجيش و المستوطنين الى أن فاجأته شجرة الزيتون و هو يزرعها في قرية ترمسعيا في محافظة رام الله والبيرة وهي تحدق به و تبكي فضحك فلما نزفت الكثير من دموعها و هو يزرعها كان يعانقها إثر اجرام الاحتلال فالتقى بربه راضيا مرضيا بإذنه تعالى يومها في 10 ديسمبر 2014 .

واذا عدنا للخلف بالزمن قليلا فإن صُناع غضبة القدس هم صُناع الحياة،وهم ليسوا الأموات (أحياء عند ربهم يرزقون) فقط ، بل الأحياء على الأرض أيضا و لا تستغرب فالشعب الفلسطيني لم يُخلق للموت و الاستشهاد أبدا (كما الانسان عامة) بل للحياة ، ولكن ان فُرضت عليه الشهادة فلا يخاف و لا يجزع ولكنه لا يحب الموت كما يشيع الاسرائيليون ، فنحن صُناع الحياة ما استطعنا اليها سبيلا كما قال سيد الشعراء محمود درويش.

من صُنّاع غضبة القدس إمام جامع هو الشيخ زياد عودة إمام مسجد بلدة قُصرة  وهاكم الحكاية:  كانت بلدة قصرة في محافظة نابلس نموذج المقاومة الباسلة أوالغضبة بأكف مفتوحة منذ رفضها بوضوح إرهاب المستوطنين في فلسطين وخاصة شمال الضفة، وتصديهم لهم الى الدرجة التي قاموا بها في شهر يناير عام 2014 بأسر 17 إرهابيا مستوطنا (كانت عصابات المستعمرين خلال أعوام عديدة تمارس حرق البيوت والمساجد والكنائس في كل أنحاء الضفة والداخل منذ عام 2008) وتعاملوا معهم بأخلاق الفرسان فلم يمسّوهم بل وأطلقوا سراحهم بعد فترة، وقال إمام مسجد قصرة حينها الشيخ زياد عودة:(هدفنا ليس قتلهم وإنما ايصال رسالة لهم ولعموم المستوطنين ولدولة "اسرائيل" بأن عليهم أن يوقفوا اعتداءاتهم علينا ، وإلا فإن عليهم تحمل عواقب ذلك في المستقبل).

وحصلت اشتباكات متجددة بعد ذلك من القرية والقرى الأخرى مع المستوطنين (وفي كثير من قرى فلسطين شمالا وجنوبا) كان من ضمنها  معارك تصدي بالحجارة مقابل رصاصات المستوطنين وجنود الاحتلال الذين كانوا يراقبون ويحمون المستوطنين وفي أحيان كثيرة يشاركونهم العدوان.

أما الملاك الجميل وهي الفتاة (التي لم تمت ،وهل يكون الموت فقط عنوانا للشهادة أوالجهاد أو للبطولة؟) فهي: ملاك الخطيب (14 عاما) التي اعتقلت بجوار مدرستها في قرية بيتين في رام الله التي تغتصب مستوطنة بيت إيل أراضيها وهواءها، بتهمة أنها ألقت حجارة على الاحتلال و اعتقلت عشية بداية العام 2015 ليعلن العدو صراحة كراهيته الطفولة مقدمة لما تلى ذلك من اعدامات ميدانية قام بها ضد الاطفال الفلسطينيين في غضبة القدس، ويعبر عن عقدة استهداف الطفولة وفتوى القتل التوراتية لأطفال الاغيار، ورفض البراءة

إن هؤلاء الخمسة -وكثير من رموز فلسطيننا- مثلوا رموزا وأيقونات فلسطينية جمعت التنوع النضالي الفلسطيني وألهمت الكثيرين من ثوار فلسطين خاصة في شبابها وشاباتها الذين تمرّسوا في المقاومة الشعبية (2005-2015) ولجان الحراسة ومقاومة المستوطنين التي شكلتها حركة فتح في كل المحافظات ، ولجان مقاطعة  بضائع المستوطنات، بمختلف فعالياتهم الرائعة التي شكلت فكرا ونماذج ومسارا طبع الحياة بطعم النضال اليومي، كما طبعها مسار الثورة الفلسطينية منذ الانطلاقة عام 1965 بطعم الوطنية الفلسطينية وطعم الحرية وطعم الوعي بالشخصية ورفض الاحتلال والظلم والقهر.