ملاحظات حول المواجهة بالسكاكين

بقلم: 

خلقت المواجهة الحالية، التي لم نعثر لها على اسم متفق عليه، والتي يهيمن فيه الطعن بالسكاكين على كل الأشكال الأخرى، جملة معضلات لإسرائيل:
أولا: حولت المواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى مواجهة احتكاك شخصي. لم تعد هناك من مسافة بين الطرفين في لحظة الاشتباك. ألغيت المسافة. الاشتباك يحصل من مسافة صفر. وإلغاء المسافة اختبار جديد للطرف الإسرائيلي. فهو أمر لم يعتد على مثل هذا الأمر. لم يحصل معه من قبل إلا نادرا. كان الإسرائيلي يطلق النار عن بعد مئات الامتار أو عشرات الأمتار. أما في الاشتباك الحالي فالعين تحدق مباشرة في العين. عين القاتل وعين القتيل تتواجهان مباشرة. وهذا أمر جديد. كانت هاتان العينان تتواجهان عند اعتقال للفلسطينيين، لكن من دون اشتباك فعلي. فعين من يقوم بالاعتقال هي المهيمنة والمسيطرة.
هذا خلق حالة إرباك مشهودة عند الطرف الإسرائيلي.
ثانيا: مع الشكل الجديد للمواجهة لم يعد سهلا التمييز بين الخصم الذي يريد الاشتباك والخصم الذي لا يريد الاشتباك. أي لم يعد ممكنا تحييد من لا يريد الاشتباك. فكل واحد مشتبه فيه. وقد أدى هذا إلى اشتباك الإسرائليين مع من لا يريدون الاشتباك معهم. فجزء كبير من الذين أطلق الإسرائيليون النار عليهم لم يكونوا مهاجمين ومشتبكين. كانوا مدنيين عاديين. ففي المواجهة المباشرة والشخصية يصير الكل مشتبها. وهذا ما يزيد من حدة الإرباك.
ثالثا: توسعت مساحة المواجهة بالسكاكين، وشملت مناطق ال 48. وهذا أدى إلى توسيع خطوط التماس، وإلى تداخلها. صار كل فلسطيني في الضفة والقدس ومناطق 48 مهاجما محتملا. وهذا يعني أن هناك 4.5 مليون شخص تقريبا قد وضعوا في دائرة الشك والاتهام. كل واحد منهم أن يكون مهاجما. وإذا أراد الواحد منهم أن لا يثير الشكوك حول نفسه، فعليه أن لا يضع يده في جيبه، او أن لا يسحبها من جيبه إن كان قد وضعها فيها إذا صادف ان مر بجنود او شرطة أو مستوطنين أو يهود من أي طراز كان. وحين يصير كل واحد مشتبها عندك، فإنك بذلك ستضاعف من أعدادئك، وتزيد من عدد المهاجمين بالسكاكين في نهاية الأمر.
رابعا: ثم تعقد الأمر فأصبحت المواجهة لونية. أصبح اللون الأسمر ذاته خطرا. واللون الأسمر يشمل اليهود من أصل عربي. وهكذا وضع اليهود الشرقيون أنفسهم في دائرة الشبهة. صار عليهم أن يحذروا. وقد حصلت حتى الآن ثلاثة أحداث قتل فيها يهود لأن لهم ملامح عربية. اضطر هذا بعض اليهود الشرقيين إلى وضع علامات تظهر أنهم يهود لا عربا. أي اضطروا أن أن يتقبلوا فكرة أنهم داخل دائرة الشك كالعرب الفلسطينيين تماما. ولا بد أن بعضهم يحاذر المشي في مناطق ذات طابع لوني مخالف، خشية الشكل فيهم. أي ان المواجهة خلقت حرب ألوان، ووضعت حدودا بين الإشكنازي والشرقي في نهاية المطاف.
خامسا: ولأن شكل المواجهة الجديد مفاجئ وشخصي ومباشر، فقد قاد هذا إلى اضطراب وذعر عند الجنود والشرطة الإسرائيليين. لم تعد البنية التنظيمية لهؤلاء قادرة على التدخل لتحديد طابع الرد. فعلى من يتعرض للهجوم، او من يعتقد أن سيعرض للهجوم، أن يتصرف وحده. أن يطلق النار أو أن يهرب. وقد كثرت حالات الهرب بين الجنود والشرطة. فهم يهربون للاختباء مثلهم مثل المدنيين تماما. وهذا أمر خطير جدا، فهو يضرب الهالة البطولية التي رسمت حول الجندي ورجل الأمن.
وزاد الطين بلة ان الكاميرات الشخصية تكون موجودة وتصور، وترفع ما تصوره مباشرة إلى الإنترنت. أي أنه لم يعد ممكنا السيطرة على الكاميرات وما تعرضه. والكاميرات تنقل ذعر الجنود وهربهم، كما تنقل وحشية المدنيين، الذي يتصرفون كآكلي لحوم بشر في بعض اللحظات.
هذه باختصار بعض الإشارات حول (الاشباك بالسكاكين)، وما خلقته من مشاكل للطرف الإسرائيلي.
بالطبع، فإن هذا الشكل يخلق مشاكل للطرف الفلسطيني أيضا. فهو شكل غير مقبول للكثيرين في العالم. ولا يسهل عليهم التماهي معه ودعمه. كما أن إيصال الاشتباك إلى هذا الحد بين فلسطينيي ال 48 ليس أمرا سهلا. فمن شأنه ان يقسم الناس إلى هناك معسكرات، ويزلزل بنى رسخت لسنوات. لكن مقصد هذه السطور كان الحديث عن تأثيرات هذا الشكل من الاشتباك على الجانب الإسرائيلي أساسا، وليس تأثيره على الجانب الفلسطيني.