انتفاضة على موجات

بقلم: 

عدة أمور تجمعت أدت إلى الانفجار الحاصل في الضفة الغربية:

أولا: وصول سياسة أبو مازن حد اليأس التام. فقد انهار أساسها، القائم على المفاوضات، منذ زمن بعيد. لم يعد هناك ما يمكن التفاوض عليه. هذا أرغم أبو مازن، وتحت الضغوط الشعبية والوطنية، على محاولة تلمس خيارات ما، أو على الأقل التهديد بها. وقد أفرز ذلك لهجة تصعيدية ضد إسرائيل، ساهمت في تسعير الغضب في الشارع.

ثانيا: وصول نفوذ المستوطنين حده الأقصى. فقد صاروا، من خلال تواجدهم في الحكومة، قادرين على فرض ما يريدون. وهذا ما فتح شهيتهم، وأدى إلى مزيد تغوّلهم على الفلسطينيين، وإلى مصادمات واحتكاكات بينهم وبين الناس تتصاعد يوميا.

ثالثا: وصول هجمات المستوطنين إلى الحرم القدسي، التي يبدو أن هناك من ينسقها داخل حكومة نتنياهو، مرحلة الخطر الشديد. وهو ما استنفر قوى عديدة في المجتمع الفلسطيني، وفاقم من التوتر، وضاعف مستوياته.

رابعا: ترافق كل هذا مع تطورات رئيسية في المسألة السورية. فدخول الروس إلى هناك بقوة أعاد رسم المشهد الإقليمي، او هو في طور إعادته. هذا الحقيقة فتحت أمام السلطة، وامام الوضع الفلسطينية ككل، منافذ لم تكن موجودة. فالتوازنات الجديدة تتيح للقيادة الفلسطينية أن تلعب على التناقضات، وأن تهدد بها. وباختصار: لقد منح هذا الوضع أوراقا جديدة للقيادة الفلسطينية لم تكن تحلم بها. وهذا سيشجعها، بشكل أو آخر، على أن تتحدى. أما حركة حماس المنخرطة ببلاهة تامة في صراع المحاور، فلم تستفد مما جرى. بل إن ما جرى سيضعف من وزنها.

هذه هي خلفية الاشتباك الحالي، الذي يسميه بعضهم انتفاضة، ويحاول آخرون البحث عن تسمية ما له.

قد يتواصل هذا الاشتباك أو قد يهدأ وتخف حدته. لكن الأمر المؤكد، من وجهة نظرنا، أن الشروط على الأرض سوف تجعله يعود إلى الانفجار من جديد حتى لو هدأ، وفي أوقات متقاربة.

وإذا كنا نرغب في تسمية ما يجري باسم انتفاضة، فمن الواضح أنها ستكون انتفاضة موجات، لا موجة واحدة بحركة واحدة. ويبدو أن طابعها الموجي هذا تكتيك اضطراري. فانتفاضة كاملة ملزمة بأن تقنع غالبية الناس بضرورتها، وهذا يستغرق وقتا في ظل وجود سلطة كانت ترفض فكرة الاشتباك، ثم أخذت تتقبلها ببطء قاتل. كما أنها ملزمة بأن تبحث لنفسها عن قيادة لهذه الغالبية في وضع معقد جدا، لا مركز فعليا له. فالقيادة الرسمية لا يمكن لها أن تكون قيادة الانتفاضة والاشتباك. هذا مستحيل تقريبا. قيادة الاشتباك، أو الانتفاضة، سوف تتشكل تدريجيا، وسوف تكون تشكيلا واسعا ومختلطا، ويكون للأقسام الحية في السلطة دورا فيها.

انتفاضة على موجات. موجاتها الأشد قوة ستأتي لاحقا، لكن ليس في زمن بعيد.