دور تـل أبيـب التخـريـبــي

بقلم: 

في بداية التسعينيات عملت فترة من الزمن في السودان مع مؤسسات صنع القرار في الخرطوم بهدف المساهمة في فك الحصار السياسي والاعلامي عن حكومة الانقاذ الوطني، وخلال تلك الفترة وبذلك العمل السياسي التطوعي، تعرفت وعملت عن قرب مع الرئيس عمر البشير والدكتور حسن الترابي والدكتور مصطفى عثمان والعديد من قيادات وكوادر السودان اضافة الى تعرفي على العديد من قيادات التيار الاسلامي بدءاً من راشد الغنوشي وعدنان سعد الدين وقلب الدين حكمتيار وغيرهم .

كانت دوافعي للعمل مع السودان استجابة لقرار الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي طلب مني مساعدة السودان سياسياً واعلامياً عبر مؤسسات مختلفة في طليعتها المؤتمر القومي الاسلامي الذي أسسه حسن الترابي، وهيئة الصداقة السودانية مع الشعوب العربية والاسلامية والاجنبية التي قادها مصطفى عثمان، وكان ذلك في ذروة معاناة السودان من  حصار عربي واسلامي تقوده واشنطن وبتحريض منها وببرمجة من ادارتها، مثلما كان يعاني من حرب دموية في الجنوب تقودها الحركة الشعبية بقيادة جون جارانع بهدف الاطاحة بالنظام أو على الاقل فصل الجنوب عن الشمال وهذا ما حصل.
كنت أنبه القيادة السودانية وأحذرها من الدور الاسرائيلي ودعمهم للجنوبيين، وأؤكد على الرغم من عدم توافر المعلومة المؤكدة لدي، ولكن دراستي للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وفهمي له، أنه لا يمكن أن يترك السودان دون التدخل في شؤونه ودعم التمرد والانفصال، وهي الحال نفسها الذي كنت أراه في كردستان العراق، ولا يمكن الا أن أخمنه وأقدره بل وأجزم فيه عن الدور الاسرائيلي في سوريا والعراق وليبيا وغيرها، وربما البلدان الوحيدان اللذان يتحاشى العدو الاسرائيلي اللعب في أحشائهما هما مصر والاردن خشية تخريب ما تم التوصل اليه من اتفاقات سياسية واقتصادية وأمنية بين تل أبيب مع عمان والقاهرة .

السودانيون كانوا ينظرون لتقديراتي على أنها نوع من الحماسة الزائدة عن الحاجة بسبب كرهي للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وعدائي الوطني والقومي والديني له والعمل ضده، ولم يقبضوا جدياً تحذيراتي من التدخل الاسرائيلي، ولكنهم بعد سنوات، أجمع كل من التقيته على صواب تقديراتي من التدخل الاسرائيلي الى الحد الذي طلبوا مني مساعدتهم على الحصول على ترجمة يومية للصحافة والاعلام الاسرائيلي وهذا ما فعلته حيث قامت دار الجليل للترجمة والنشر تقديم تقرير يومي مترجم عما يقوله الاعلام الاسرائيلي عن السودان ومنطقة القرن الافريقي ولكن الاهتمام السوداني بالموقف الاسرائيلي تأخر كثيراً، وتم  بعد فوات الاوان .

في مقالته التي نشرتها معاريف يوم 14/9/2015، تحدث الصحفي الخبير وذات الصلة بالاجهزة الامنية الاسرائيلية، تحدث عن نشاط الموساد نقلاً عن دراسة كتبها ديفيد أربيل وهو أحد ضباط الموساد، تحدث فيها عن أهم مفاصل المحطات السياسية الامنية التي نجحت الموساد في تحقيقها، بدءاً من خطف النازيين وتصفيتهم كما حصل لأدولف أيخمان ولويس برونر وجوزيف منغلاه، وغيرهم، مروراً بنقل يهود المغرب وأثيوبيا الى فلسطين الى تدمير المفاعل النووي العراقي وكذلك السوري، وتصفية قيادات المقاومة الفلسطينية وغيرها من العمليات السرية أو الحرب السرية التي قامت بها الموساد ضد “ العدو “ .

وفي مجال الحرب السرية كما يقول يوسي ملمان اعتماداً على كتاب “ القبطان ورئيس الموساد “ الذي لم ينشر نظراً لمحتوياته التي تشكل خطراً على أداء الموساد وتكشف أسرارها، يقول ملمان نقلاً عن ضابط الموساد ديفيد أبيل :

“ في مجال الحرب السرية  برزت العلاقة التي أنشأها الموساد مع قوات البيشمركة، وهي القوة الكردية التي حاربت النظام في العراق، ومنظمة المتمردين في جنوب السودان، وكان حصيلتهما حصول كردستان العراق على الحكم الذاتي، وهي قريبة من الاستقلال السياسي، وجنوب السودان الذي تحول الى دولة سيادية تقيم علاقات مع اسرائيل “ .

كلام واضح صريح يدلل على مدى تغلل الدور التخريبي الاسرائيلي في الوضع العربي وجهده المتواصل لتمزيق البلاد العربية وجعلها أسيرة للفوضى والتمزق وهو اذ يتباهى بنجاح الموساد في تحقيق خطوات كبيرة كما حصل مع الاكراد في العراق والجنوبيين في السودان، فهو يعترف باخفاق الموساد في العلاقة مع المسيحيين في لبنان، ومحاولات كثيرة لم تنجح على مدى سنين لتطوير علاقة مع الدروز في لبنان وسوريا ولست متأكداً الان أنها لم تنجح بعد ما حصل في سوريا من دمار وخراب وتمزق.