شكراً للمغرب

بقلم: 

المغرب والأردن ، انفردتا عن مجموعتي الدول العربية في كيفية التعامل مع ثورة الربيع العربي وامتصاص تفاعلاتها بالحسنى وسعة الصدر والتجاوب النسبي ، بينما المجموعة الأولى دفعت الثمن دماً ودماراً وخراباً وتطرفاً ، بدءاً من تونس ومصر وليبيا وقبلهم الصومال ولا زالت في قعر المجموعة ، وسوريا والعراق التي تم احتلالها وأسقاط نظامها سلفاً من قبل قوات التدخل العسكري الأميركي الأوروبي ، وليس إنتهاء باليمن ، أما المجموعة الثانية فهي بلدان الخليج العربي الثرية ذات الكثافة السكانية الأقل من البسيطة بإستثناء العربية السعودية ، ولديها من الفائض المالي ما يشبع حاجات مواطنيها ورغباتهم وإسكات إحتياجاتهم مع “ شوية “ حزم رادع .

المغرب والأردن ، انفردتا في مجموعة البلدان العربية ، وأحنت رؤوس حكومتيهما لمظاهرات الشارع وتجاوبت مع مطالب المحتجين ، ففي الأردن جرت تعديلات دستورية إعتبرها رأس الدولة جلالة الملك غير كافية في افتتاحية دورة مجلس النواب في خريف 2011 ، وتمت صياغة قانون إنتخاب اعتبره غير عصري أنذاك وها هي الحكومة تقدم مشروعاً بديلاً ، وتم تشريع قانون نقابة للمعلمين وولادتها ، وهيئة مستقلة للإنتخابات وأشرفت عليها ، ولكن توقف مسيرة ثورة الربيع العربي في المحطة السورية ونتائجها الكارثية على الشعب والدولة في سوريا ، ومن قبلها في ليبيا ومن بعدها في اليمن ، أيقظ الأردنيون وتوقفوا وترددوا ، خاصة بعد جموح حركة الإخوان المسلمين قادة المعارضة عندنا وإندفاعهم ورفعهم شعار “ شركاء في الحكم “ ،مستفيدين معنوياً ومادياً من نجاح الأنقلاب في غزة ، واستلامهم للسلطة في مصر ، وشراكتهم في الحكم من موقع قوة في تونس واليمن والعراق والدعم الذي حصلوا عليه للثورة في سوريا .
التجاوب الرسمي مع ثورة الربيع العربي في عمان ، تراجع لعدة أسباب :

أولها : لأن ثورة الربيع العربي في اندفاعها عبر الحدود ، توقفت في المحطة السورية وأخفقت عن مواصلة طريقها ، وفشلت في تحقيق إنجازات لصالح الشعب السوري وتطلعاته ، فاستفاد الأردن الرسمي من هذا الأخفاق ومن هذا الفشل ، فعاد عليه بإلتقاط الأنفاس والاسترخاء السياسي والأمني  .
وثانيها : أن حركة الإخوان المسلمين أقوى أحزاب المعارضة بسبب مواقفها المتطرفة وتفردها أفشلت تجربة الجبهة الوطنية للإصلاح التي تشكلت من أربعة أطراف هي : 1- الإخوان المسلمين ،  و 2- الأحزاب القومية واليسارية ، و3- النقابات المهنية ،  و4- مجموعة أحمد عبيدات ، وقد سبب الفشل الإخواني عملية ارباك لقوى المعارضة وللشارع المقسوم مما أضعف حركة الأحتجاجات وأزال تأثيرها ، وباتت الاحتجاجات مقتصرة على الحزبيين بدون غطاء جماهيري وبلا حاضنة شعبية .

ثالثها : قوة نفوذ قوى الشد العكسي التي استفادت من فشل الربيع العربي ، ومن تمزق قوى المعارضة الأردنية ، فبادرت لتعزيز مواقعها ووقف التجاوب الرسمي مع إحتجاجات الشارع واحتياجات الأردنيين للديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة ، فغدت الشعارات المرفوعة والتعديلات التي تمت بلا مضمون تنفيذي .
بينما في المغرب سارت الأمور بشكل طبيعي تدريجي يُسجل للملك وللأحزاب وللشعب ، فقد بادر الملك شخصياً لعرض دستور متقدم للأستفتاء ، وحصل على الموافقة الشعبية ، وجرت انتخابات نيابية على أساسه ، وكلف حزب الأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة ، وتشكلت حكومة بإدارة حزب العدالة والتنمية الإسلامي ، وها هي الحكومة تُجري إنتخابات بلدية ، يُخفق فيها الحزب الأقوى حزب العدالة  والتنمية من الحصول على الأغلبية ويحصل على الموقع الثالث بعد حزبي الأصالة والمعاصرة الأول وحزب الاستقلال الثاني مما يدلل على نُضج صاحب القرار الملكي ونُضج الشعب المغربي الذي أجاد التعامل مع قيم التعددية والتأثير على إفرازات صناديق الأقتراع لصالح من يراه الأفضل لخدمة مصالحه المعيشية وتلبية إحتياجاته المعيشية .