الرهان على حراك الشعب لوقف المؤامرة العباسية

بقلم: 

وضع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الشعب والحركة السياسية الفلسطينية جميعها أمام تحدٍ جديد في دعوته لعقد إجتماع طارئ للمجلس الوطني منتصف سبتمبر 2015، بعد أن قام بزجّ الجميع في متاهة المغامرات التفاوضية ضارباً بعرض الحائط مواقف كل الحركة السياسية الفلسطينية الرافضة لهذا السلوك، والتي تجسد رفضها سياسياً في مضمون القرارات الصادرة عن اجتماع المجلس المركزي في آذار 2015، وهي قرارات هامة وملزمة ولم يكترث لها عباس.

لأن الحركة السياسية الفلسطينية صمتت كثيراً عن كل التجاوزات التي قام بها عباس، واكتفت بتسجيل مواقف إعلامية  دون التفكير في خطوات عملية تجبره على وقف ما يقوم به من مسلكيات ألحقت الأذى بالمشروع الوطني، وساهمت بشكل مباشر في إحداث المزيد من الشرذمة داخل المجتمع الفلسطيني، وتسببت في إحباط محاولات الشعب أكثر من مرة للتمرد على الإحتلال والواقع المخزي الذي وصلت إليه الحالة الفلسطينية دون أي رادع أو تفكير بالمحاسبة.

عجز القوى السياسية وفي المقدمة منها حركة حماس عن مواجهة هذا الديكتاتور الصغير، ساعده على أن يقرر نيابة عن الشعب الفلسطيني في كل شيء، وصولاً إلى مهزلة الإستقالات من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ووضع المجلس الوطني أمام حالة إنعقاد طارئة أو عادية، فالأمر سيّان والهدف واحد في خطة الرئيس، ليترك الفصائل في حيص بيص مواقفها الركيكة، توزعت ما بين فصائل تتمنع وهي راغبة، وأخرى دخلت صاغرة بيت الطاعة وذبحت موقفها وتاريخها على مصاطب القصر طمعاً في زيادة حصتها المالية من الصندوق القومي، أو زيادة عدد ممثليها داخل المجلسين الوطني والمركزي، وطمعاً في كرم الرئيس بوزير في أي حكومة قادمة مع بعض الإمتيازات الوظيفية لأعضاء مكاتبها السياسية.

كل أبناء الشعب الفلسطيني والأحزاب صغيرها وكبيرها، يعلمون جيداً أن دعوة عباس لعقد جلسة المجلس الوطني لم تأتِ على خلفية تحول سياسي خطر يحتاج لهذه الجلسة، ولا نتيجة أوضاع طارئة تستدعي قرارات سريعة ينوي عباس التسلّح بها لمواجهة مرحلة ما، بل هي دعوة علنية لأكبر عملية تصفية سياسية يقوم بها الرئيس، يستخدم فيها الأحزاب المدجّنة ويستغل ضعف وتردد الأحزاب المعارضة التي لم تقدم حتّى هذه اللحظة بديلاً سياسياً مقنعاً يلتف حوله غالبية أبناء الشعب، بديلاً يوقف حالة الإنحدار السياسي والجنون العباسي بما يمثله من تهديد واضح على الشعب والقضية.

الفصائل تدرك أن محمود عباس لا يكيل لها وزناً، بل قام بتحقير عدد من قادتها داخل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وعاقب عدد آخر بحرمانهم من المخصصات المالية التي تصرف كإستحقاق من الصندوق الوطني،  ووصل به الصلف في مرحلة قريبة بحرمان بعض ممثليها من حضور اجتماعات اللجنة التنفيذية  لولا وساطة أحد الأحزاب في حلّ الإشكال الذي نشأ، وهي متيقنة أن عقد جلسة المجلس الوطني بهذه الطريقة سيقطع الطريق أمام أي عملية مصالحة منتظرة، وأن عباس يبحث عن شرعية شكلية تعطّل إجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية وتقضي على فرص تنظيم هذه الإنتخابات للمجلس الوطني الذي أكل عليه الزمن وشرب، وأصبح مثار تندّر أبناء الشعب الفلسطيني، هو ولجنته التنفيذية ومجلسه المركزي، كما أنه لن يجتمع بالإطار القيادي للشعب الفلسطيني بعد أن أدار ظهره لعملية المصالحة التي تشكل عليه تهديداً انتخابياً وتصل به إلى لحظة الحقيقة، وبالرغم من هذا الإدراك فهي مستمرة في إطلاق مناشداتها وتسجيل مواقف تعتقد أنها بمثابة صك غفران يحميها من صحوة الشعب.

سواء كانت الدعوة لإنعقاد جلسة المجلس الوطني طارئة أم عادية، نظامية أو غير قانونية، بجدول أعمال يحتوي نقطة واحدة أو عدة نقاط، فهذا أمرلا ينفخ الروح في جثة هامدة لا تقوى على مجابهة ديكتاتور، ولا يستعيد الثقة مع جماهير تشاهد مختلف أشكال الفساد لمسئولي السلطة والمنظمة ورئيسهم الذي جعل من المؤسسة الوطنية مصدراً لزيادة الثروة وتشييد القصور في ظل مجتمع ينهشه الفقر وتتزايد فيه البطالة وآلاف الأسر الفلسطينية منه تفترش الأرض وتلتحف السماء بإنتظار عملية إعمار قد تحدث أو تتعطل.

العجز والصمت عن مواجهة هذه الحالة المبعثرة شراكة فعلية في جريمة سيقدم على ارتكابها عباس بعد أيام، والبكاء على أطلال الشرعية لن يمنح البكائيين فرصة جديدة للإنطلاق إذا ما تركوها، فحجم المآسي التي تعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني ستجعل من ثورته ضد الطغيان شديدة لا تقدّس المعابد والأصنام، فالثورات لا تعترف بأنصاف المواقف التي ساهمت في تعطيل كل المبادرات، ومنحت وقتاً إضافياً لديكتاتور على مشارف السقوط.