مهاترات وطن: الاستيطان والاحتلال الداخلي

بقلم: 

تستمر الانتهاكات الاسرائيلية لتدك في كياننا الفلسطيني من كل جانب . بينما نستمر نحن الفلسطينيون في تلقي ضربات نحاول حماية انفسنا فيها من المكان الخاطيء . يشبه حالنا من كان يقف في حلبة مصارعة خسر فصارت الضربات تلقى عليه من الخصم ومن الجمهور الذي راهن عليه . ونحن ،ذلك المصارع الخاسر متهاو على الارض يحاول حماية ما يمكن حمايته مما تبقى من جسده المهزوم.

اعجز احيانا كثيرة عن كتابة ما ارغب بكتابته لدى تقليبي لصفحات الاعلام المختلفة . احيانا اشعر باني اريد فقط ان اكتب كل تلك العناوين التي تستوقفني في مقال واحد لأرى ما يخرج منها . واخاف لان ما سيخرج هو كمن يخيط جسدا بعد عمليات تجرى فقط في عيادات الطب الشرعي .

فمن اخبار داخلية تفطر القلب ، فضيحة مدوية جديدة في كل يوم ، يتلقفها القارىء بجشع البطون الخاوية ، ليجد في تلك الاخبار ككل مرة ما لا يشبع وما لا يسد جوع . لأن الاخبار بفضائحها المستمرة لا تأتينا بجديد ، او ربما تؤكد ما نعيشه بأرض الواقع يوميا كشعب ، او ككل مرة ،لا تغير اي شيء. فالفضائح عندنا لم تعد تؤثر لا على اصحابها ولا على من يروج لها . فالتناقضات التي نعيشها باتت كذلك تزيد من اضطراباتنا الكثيرة . والمصيبة اننا وبينما نتلقى ما نتلقاه بين فك السلطة وصناعة الخبر يصبح حالنا جزء من الازدواجية فمثلا عند إغلاق مؤسسة جنيف التابعة لعبد ربه ، كان العنوان يتمركز حول اصدرار الرئيس شخصيا اوامر الاغلاق وتحويل الاموال الى وزارة الاعلام. اليوم تخرج الاخبار بصيغة جديدة عند صرف النظر عن اغلاق المؤسسة ، وذلك بعد الضغط الدولى السويسري تحديدا ، بأن السلطة هي التي صرفت النظر عن هذا . فالسلطة هي من اغلقت بداية وهي من تصرف النظر اليوم. ولا اعرف ايهما اسوأ في حالة الاستخفاف في الوطن. ان يكون الرئيس شخصيا من يصدر الاوامر فيمن هناك عداوة بينه وبينهم ، ام ان تكون السلطة هي الدكتاتور الذي يصفي حساباته مع الشعب. بكل الاحوال ما يتم تفاوته في كل مرة هو ما نفهمه ونعيه نحن الشعب .وكآن تغيير العناوين والاسماء في بياناتهم وتعليماتهم ستنسينا الحقيقة. يعتمدون دائما على ضعف الذاكرة الجماعية واعادة تخليقها وتشكيلها على هواهم. ثم يفجر عبد ربه ، عدو السلطة اليوم ابنها بالامس، مفاجأة لا تمت بالمفاجآت بفواجع وضعنا بصلة . ولكنه بمفاجأته المدوية بالنسبة لمحكمة الجنايات والتقارير التي تبعث بها السلطة والفرق بين هذا وبين رفع قضايا اكد لنا مرة اخرى كيف ان حالة الاستخفاف الموجودة تكاملية . فنحن الشعب نلقف بالشعارات وتستهوينا ولا نعبأ للتفاصيل ولا تعنينا . نفتقد للحنكة والحكمة . فالحنكة عندنا حنكة شوارع والحكمة حكمة المشايخ والقبائل . تحل المشاكل وترفع في فنجان قهوة وصلح عشائري . وذكاؤنا “الشوارعي” اهم من تعليم الجامعات التي فعلا لا تعلمنا شيء ، او من كلام الكتب التي لا نقرأ منها اصلا.

ومن قصص كثيرة في حالنا الخاوي ، نصفق لها او نلطم ، لا يهم . فردة فعلنا لا تتجاوز التعبير الآني بكل الحالات . نشجب ،نهدد، نخرج بشعارات مدوية كالطلقات الفارغة . تصدر اصواتا مزعجة مؤذية فقط.

بينما يستمر الاحتلال في ظل الغوغاء هذه في اطلاق طلقاته الحية . وتضيع في السماء وسط الضوضاء المفزعة . فلم نعد نميز من الذي يهددهنا اكثر ؟ الاحتلال بعنجهيته وظلمه ؟ ام نحن بجهلنا وتهميشنا لانفسنا ولقضايانا الحقيقية؟ ففي وسط اطلاق النار الكثيف في الاسابيع الماضية بين ارتقاء شبه يومي لشهداء على ايدي طلقات الاحتلال الظالمة . كانت حوادث الاعتداء المختلفة في صفوفنا . في القدس رجل يغدر من قبل مجموعة طعنا بالسكاكين وعند موته تحرق بيوت ويتأهب الحي وتغلق الشوارع ، والاحتلال بشرطته يقف لفض النزاع واحتواء الغضب الكبير . وفي بيت ساحور طعنات وطلقات بين شباب تفزع العين في مشاهدها . وبيت يحرق بينما الاحتلال يحرق بيوتنا . وشباب يسقطون من جراء تهور السياقة الاعمى ، واخرون ينقلب الفرح طرح جراء طلقات الجهل الطائشة. غرق ، سقوط ، حرق، دهس،قتل شرف او انتهاك شرف . موسم مدارس متعثر بغياب ترصيدات لميزانيات اساسية ، مقابل قضايا فساد تتفشى امام اعيننا كل يوم . حال لا يمكن وصفه الا بالمأساوي . شباب يتم اعتقالهم وتكتيم اصواتهم لانتماآتهم او لمجرد التعبير عن انفسهم في معتقلات الاجهزة الامنية الكثيرة ، وفي المقابل تتصيد اسرائيل بشبابنا وتزج بهم بمعتقلاتها وما من رقيب. نحاول الشكوى لمن يستطيع المساعدة ويتم النظر الينا باستهجان . فما تفعلونه بأبنائكم يوازي ما يقوم الاحتلال به فمما تشكون؟ تقول اعينهم. تستمر عمليات الهدم للبيوت في القدس بآلية متسارعة لم يسبق لها مثيل ولا من رد فعل رسمي او شعبي ، سوى التقاط الصور ووضعها على حيطان الفيسبوك وتتسابق عليها عناوين الاخبار المحلية. اخبارنا كطلقاتنا الفارغة. مدوية مزعجة بلا مضمون . طلقات مرعوبة بالرغم من يقين فراغها.

والاستيطان عنوان هذا المقال…..

بينما تستمر سلطات الاحتلال بعملية استيطان ممنهجة لم تكل عنها منذ قيام الاحتلال الى هذه اللحظة . تغير فيها فقط انهيارنا نحن . فمن جهة ، لا يتورعوا عن التفشي في استيطانهم باي بقعة ممكنه بكل الطرق الشرعية واللا شرعية . فوصلوا بعزيمتهم مقابل انهيارنا الدائم الى شرعنة لا شرعيتهم . فما كان استيطانا باطلا بكل المحاور ومن كل الاتجاهات ، صار حقا يكتسب …ونحن نتفرج ، بنفس الطريقة بالندب والنحيب . صرنا في هذا الموضوع كمن يبكي ميتا نعرف ان موته رحمة لكثر بطشه وظلمه. فما يجري بسلوان من استيلاء ندعيه بالاعلام ونشجبه عاليا ، يترتب عليه بيع حقيقي من قبلنا . من قبل اولئك منا الذين لم يعد الوطن هو عنوانهم . سواءا كان ذلك عمالة او نذالة او ربما قلة حيلة ويأس. فبينما تعاني سلوان ومنذ العقد من عملية شرسة بالاستيطان الذي ان نظرنا اليه بمنهجيته لا يعدو تلك الصورة الكبيرة للفكر الاستيطاني الصهيوني. فقضية سلوان والبستان كانت قضية انسانية بجدارة . اكتسبت دعم الرآي العالمي لما فيها من ظلم يقع على مجتمع كامل بذلك الحي ، الى قضية يصبح فيها الكيان الصهيوني صاحب حق في كل يوم . فما نسميه استيلاء ليس الا عمليات بيع ، مع الاسف تفوق فيما سنرى من عمليات الاستيلاء الحقيقية .

ونقف نفس الموقف الضعيف المؤسف. فنحن في هذه الحالة لا نزال نقع تحت ظلم الاحتلال الكبير ، الا ان هذه الحالات المتصاعدة من البيع المباشر.

لا يختلف الموضوع كثيرا اذا ما نظرنا اليه مما يجري بالاقصى وعلى مدار الاشهر الماضية . فبين مدافعون عن المكان باجسادهم امام الهجمات من المتطرفين من المستوطنين وغيرهم . يقف مفتي فلسطين ممثلا للسلطة الفلسطينية مع وزراء اسرائيليين في القدس ليتداول معهم امور تنسيق تجاري والله اعلم ما يخفي من ذلك تحت تلك التصريحات . فكيف ندافع عن اقصى يدنس حرماتها حراسه ويقف المخلصين من اهلها مدافعين عنها بآرواحهم. كيف ندافع عن قرية او حي من هجمات استيطانية يكون الاطفال والشباب ضحاياها في الدفاع عن بيوتهم ، بينما الخيانة باتت متفشية في عروق الاخرين منا .

في السابق كان الخائن يتوارى ، يهدر دمه ، ينبذ ، ولا ملاذ له الا الهروب والاختباء . اليوم الخائن يتفاخر . العمالة صارت تسمى تنسيقا ، والنذالة هو وجه حالنا ، والخنوع هوانا ،والاحتلال القابع فينا صار اكبر من ذلك المحيط بنا.