بين حماس وفتح يا قلبي لا تحزن : بين تغيير اسم مدرسة وتحايل على قانون المنظمة

بقلم: 

الانتفاضة التي اثارها خبر تغيير اسم مدرسة في غزة من “غسان كنفاني” الى “مرمرة”، أشعلت شبكات التواصل والاعلام الفلسطيني.

عندما سمعت الخبر بإول الامر حزنت قليلا ، بأنه لم يعد بهذه الأمة قدوة ولا غالي. ولربما كان القصد هو مبدأ “الحي ابقى من الميت”.

واذا كان المقصود بتغيير الاسم ارضاء الاتراك لكثر عطائهم وسخائهم مؤخرا ، فمش غلط. فاليوم الولاءات تقاس بمن يدفع ، وللحق فإن تركيا تقف موقفا تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني أنبل وافضل من كل قريناتها من الدول الاسلامية وجيرانها العرب . بغض النظر عن مآرب تركيا التي لا نعرفها او نعرفها.

الا ان الموضوع ليس تركيا ولا عودة الخلافة عن طريق اردوغان ولا تحقيق الحلم الاخواني بعودة شريعة الخلافة . ولا اظن ان ما حدث من تغيير اسم كان مصادفة او غلطة بريئة تماما . مما لا شك فيه ان ما جرى كان به قصور في التقدير في ظل هيمنة وسائل الاتصال اليوم. فقيادة حماس ورغم تفردها في غزة ، الا ان وسائل الاتصال لم تعد مقصورة على ما تحدده هي . وردود فعل الناس على تغيير الاسم مشروع وحق. في النهاية هناك رمزية نعتد فيها كشعب ، وغسان كنفاني احد ابطالها التي اعتقد اتفاقنا كمجتمع عليه . كما نتفق على عز الدين القسام مثلا. ولكن في وضع وصل الى القعر كما في حالنا . بتنا ننبش حتى القبور وننقض اتربة من يسكنوها وادخلنا انقسامنا الغابر ودنسنا حتى ارواح الموتى من من كانت حياتهم ثمنا ليكون هذا الشعب بقضية.

الا ان الموضوع عندي ينتهي هنا . فما جرى ليس بالطامة الكبرى ، وسط الكبائر والمصائب التي نعيشها بكل لحظة . فما جرى من اجتماع لللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والاستقالات الوهمية “الاستهبالية” اكبر واشد مصابا علينا من موضوع تغيير اسم . فغسان كنفاني لا يأبه ان بقي اسمه او تمت ازالته . ما كان ليؤرق غسان هو ما يجري وسط سحب البساط من شرعية الشعب اليوم ،بينما الكل يعي كارثية الوضع ولا من حراك او ردود افعال تعدو التحليلات التحذيرية بصورة اكاديمية او قانونية بحتة لا تخلو من البراغماتيكية خوفا من اللعنة السيادية .

الكارثة التي نعيشها اليوم ليست بتغيير حماس لاسم مدرسة . ولا بمحاولتها لأخونة غزة . ولا باجتماعاتها السرية او العلنية مع اسرائيل بشأن هدنة او مشروع سلام.

ما تقوم به حماس معلوم لدينا كشعب . حماس اعلنت اجندتها التابعة للمشروع الاخواني ، والقضية الفلسطينية بالنسبة لهم ليست الا وسيلة في السبيل الى الوصول الى الغاية الكبرى في الحلم الاسلامي الاخواني على الارجح. فما من جديد هنا . وما من داع للاستهجان عند تغيير اسم مدرسة . كل ما يقومون به سيزيد من مخاسرهم امام الالتفاف الشعبي في يوم حساب ،لا بد قادم.

الكارثة التي تجري هي هنا .في مطبخ صناعة القرار الفلسطيني الذي يقرر مصيرنا كشعب رغم انف حماس وأخونتها لغزة . الكارثة بتمرير ما يجري من انتهاكات تفوق التحمل وحالة الابتذال التي وصلنا اليها . اللعب على وتيرة تغيير القوانين والتحايل عليها على مرأى ومسمع ومشهد الوطن والمواطن هو الكارثة العظمى. المشهد الفلسطيني الحالي يتطلب الوقوف الحاسم امام الانفصام السيادي الذي نعيش فيه . بين دعوات لانتخابات على السن القيادات المختلفة وابتعاد النية عن ذلك . بين نداءات لتوحيد الصف الفلسطيني بينما يعتاش الشعب اليوم مع القيادة بشقيها على الانقسام . بين انهيار كامل للبناء المؤسساتي ونخر الفساد فيه وادعاء النزاهة والشفافية فقط عندما يكون الطرف المناهض هو المتهم. بين غياب لاي افق لتسوية تترتب عن اتفاقات السلام التي لا تزال تراوح مكانها ، بين دعوات رياء للمقاطعة وهرولة مخلصة نحو التطبيع.

الهجوم أحق على المدارس المهددة بالاغلاق ، والرواتب التي لا تدفع ومستوى التعليم الآخذ بالتردي .الذاكرة التي يحتاجها الانسان الفلسطيني ليست تلك التي تحافظ على امجاد من سبقونا . فغسان كنفاني ربما يجهله معظم الجيل الجديد من ابناء.ليس لقلة قيمته ،ولكن لانعدام الثقافة التي نتسابق على تعويضها بمناهج تعليمية لا تعلم ولا تربي اجيالا صالحة وسط انهيار لرؤى كاملة في بناء المجتمع الذي وصل الى الحجارة والمسميات .

هجومنا على موضوع تغيير الاسم ،يشبه تشبتنا بصوامع الماضي الوثنية . يعزز انقسامنا وانفلاتنا من ذاتنا . فغسان كنفاني ليس حكرا على حركة ما . كما القسام لم يكن حكرا على احد. نأسف لتغيير اسم باسم ، ولا نأسف على الهجوم الضاري الذي نشنه ضد بعضنا وضد ما يختلف عنا سواء كنا مع ما تحمله تلك الايقونات او كنا ضدها . فسواء صرخنا من اجل غسان كنفاني او من اجل سيد قطب او عبد الناصر . فنحن حتى لا نقترب من رسالات اولئك مهما اقتربنا او ابتعدنا عن فكرهم.

اولئك كان يشغلهم الوطن . ونحن تشغلنا الأشخاص.

آولئك كان فكرهم ايمانهم قضيتهم .ونحن فكرنا وايماننا وقضيتنا بشخص ما قرر ان احد اولئك كان الحق ، بالرغم من الادعاء بآن لا حق الا الله .

لقد استحققنا البشر على انفسنا فتركنا رب البشر.

فبين حماس وفتح يا قلبي لا تحزن.