نتائج حصار غزه على صحه السكان

بقلم: 

الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة منذ ثماني سنوات، بالإضافة إلى ثلاثة حروب، لم يُقابل من جهة الأنظمة العربية بأي دعم أو تضامن، بل على عكس ذلك غض الكثيرون الطرف، وأشاحوا النظر في اتجاهات أخرى، بينما شارك البعض الآخر بشكل مباشر بالحصار. وقام النظام المصري الجديد بإغلاق الأنفاق التي كانت الوسيلة الوحيدة لإدخال البضائع والتواصل مع الخارج، بدل بناء الجسور ومد يد العون، كما هو مُفترض من أكبر دولة عربية، وأكثرها التصاقاً بقطاع غزة.

لوحده العدوان الإسرائيلي الأخير، أدى إلى خسائر فادحة بالبنية التحتية الفلسطينية بقطاع غزة، بالإضافة إلى آلاف الضحايا، فحسب آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية بتاريخ 15/05/2015، هناك أكثر من ألفي شهيد وحوالي ستة عشر ألف إصابة، ونصف مليون مُشرد، مئة ألف من دون مأوى حتى نهاية العام 2014، وتدمير 22 ألف بيت لم تعُد صالحة للسكن، وبحسب منظمة العفو الدولية تم تدمير عدد كبير من المستشفيات والمراكز الصحية، 117 مستشفى عيادة أو صيدلية، كليا أو جزئيا، كذلك 20 مدرسة أو جامعة، تدمير وسائل القطاع بالحصول على الماء، 95 بالمئة من السكان لا يصلهم الماء الصالح للشرب، توقف المضخات ومحطات تحلية الماء وتكرير المياه، مما أدى إلى تلوث مياه البحر والبيئة وانتشار الأوبئة.

وتذكر منظمة الصحة العالمية بتقريرها، بوجود مليون وثلاثمئة ألف شخص بحاجة لمساعدة غذائية من أصل عدد سكان القطاع البالغ مليون وسبعمائة ألف. كما أدى هذا الحصار أيضاَ إلى تأخر بالنمو عند 10% من الأطفال دون الخامسة، وفقر دم عند الأطفال دون السنة (68%) وعند النساء الحوامل (37%).

  ويظهر التقرير ايضا إنخفاض عدد المارين من معبر رفح الخاضع للسيطرة المصرية بشكل هائل (93%) منذ شهر تموز من العام 2013. وهو ما أدى إلى مضاعفة طلبات المرور للمرضى من معبر إيرتز المُراقب كلياً من إسرائيل، والتي ترفض مرور 20% من الناس، وتبتز المارين بكل الوسائل، وعدد حالات الوفيات في غزة نتيجة رفض السلطات، أو إعاقتهم للمارين تُعد بالعشرات.

  يُنتج محلياً 40 % من كهرباء غزة، باستعمال الوقود المُستورد من طريق المعابر الإسرائيلية و 50% مباشرة من طريق شبكة الكهرباء الإسرائيلية و10% عن طريق الشبكة المصرية. هذا يعني أن 90% من الكهرباء هي تحت رحمة إسرائيل، وهو ما يُؤدي إلى توقف توزيع الكهرباء ما بين 8 – 12 ساعة يومياً.

  نختصر، نتيجة ذلك، بأربع كلمات: نقص الغذاء، الماء،  والدواء والهواء. فلا يمكن الحفاظ على المواد الغذائية بدون كهرباء، مما يؤدي إلى فسادها وتسمم مستهلكيها بما فيه حليب الأطفال. يوجد في غزة 180 نقطة مائية منها 140 بئراً بحاجة لمضخات تعمل بالكهرباء أو بالوقود، ونفس الشىء بالنسبة لمحطات تحلية الماء ومحطات التكرير. بدون ماء لا توجد حياة ممكنة بشكل صحي. أما الدواء فهو عدم تمكن غرف العمليات من العمل بدون كهرباء والمحطات البديلة بحاجة لوقود لم يعد متوفراً، أقسام الإنعاش الطبي ورعاية الأطفال الخُدج وغسل الكلى (أكثر من 450 حالة بمعدل 3 مرات بالأسبوع لكل حالة) بحاجة لهذه الطاقة الحيوية . الهواء هو اهلاك كثير من الادوية الحيوية بسبب الحر وانعدام التبريد مثل أدوية العلاج الكيميائي للسرطان أو مشتقات الدم, وحياة الاطفال المرضى وكبار السن.
  هدف إسرائيل من تجويع وتمريض أهل القطاع، جزء عضوي من سياستها العامة، لعقاب الناس وتهجيرهم، أما هدف النظام المصري، بالتعاون في تطبيق تلك السياسة، فهو الحصول على رضى داعميه لإظهار حسن النية، والاستعداد لعمل كل شيء، مُقابل البقاء ضد رغبة وإرادة شعبه، التي عبر عنها في انتخابات حرة ونزيهة قبل ثلاث سنوات. هدف الأنظمة العربية المتغاضية هو إنهاء أي امل في مفهوم المقاومة وحق التعبير عن الرأي وأحقية الشعب بانتخاب قياداته في بلادهم، ولا يجوز بشرعهم أن يكون هناك مثل عكس ذلك.

العمل لإفشال تلك المُخططات والسياسات لا يتم إلا بتقوية بُنى المجتمع المدني العربي ومؤسساته، بعيداً من الأنظمة السياسية الحاكمة ورقابتها، وحده المجتمع المدني هو المؤهل بالضغط والعمل لدعم الشعب الفلسطيني. أين هي الاتحادات والنقابات، أين هي أحزاب المعارضة، أين هم الكتاب والمفكرون؟ أين هي حملات المقاطعة لإسرائيل في بلادنا، أين هم ثوار وشباب ساحة التحرير بالقاهرة وشارع بورقيبة بتونس، أين هم الشباب الفلسطيني المطالب برفع الحصار عن غزة؟.

كذلك فإن الشعب الفلسطيني بقواه المدنية مُطالب من جديد بالتعبير عن نفسه، خارج الأطر السياسية الحالية التي لم تعد راغبة بالعودة للشعب عن طريق الاستفتاء أو انتخابات جديدة، وما ألاعيب الحلقات الشكسبيرية للمصالحة التي لا تنتهي حتى تبدأ من جديد، إلا وسيلة لتنويم الرأي الفلسطيني وإبعاده عن أي عمل خارج الأطر الرسمية، التي عجزت منذ أكثر من أربعين عاماً، عن تحقيق أي شيء.

  إن تجميع طاقات ومنظمات المجتمع المدني العربي، وإعطاءها بعداً على أرض الواقع، هو الذي سيُغير حسابات إسرائيل والأنظمة العربية المتحالفة معها، وغير ذلك يعني البقاء في حالة الشكوى من الأنظمة وإسرائيل والأمم المتحدة والعالم، والاستمرار بسياسة وضع الرأس تحت الرمال.