ماذا لو طرح مشروع الوحدة الاقتصادية الفلسطينية الأردنية!

بقلم: 

تتمتع المملكة الأردنية الهاشمية بالعديد من السمات والمميزات التي تجعلها منطقة متعددة الموارد، وبسبب القرب من فلسطين فإن الأردن قد أضحى بؤرة جغرافية هامة وحيوية تضيف إلى مقدراتها فرصاً أخرى لافتة .

وبالنظر إلي الواقع الفلسطيني الداخلي ، فبرغم ظروف الاحتلال الجاثم على الأرض ، والذي يتحكم بالمعابر والحواجز ومفاصل الاقتصاد ومصادر الثروة، وتعقيدات الحالة الفلسطينية الداخلية إلا أن العقل الفلسطيني المبدع قد أوجد من المصادر البديلة ما يحقق التكامل والتوافق بين مقدرات الأرض وطبيعة التحدي البشري بين أصحاب الأرض ومحتليهم ، بما أفرز واقعاً جديداً ، يستطيع الإنسان من خلاله أن يتحدث عن مصادر الاقتصاد والاقتصاد البديل في فلسطين بما يعزز قدرته على تحقيق الشراكات الاقتصادية على المستوى الإقليمي والدولي .

وما أعنيه بمقدرات الاقتصاد والاقتصاد البديل لا يقتصر على المعامل والمصانع والورش التشغيلية ومشروعات التنمية الصغيرة والمتوسطة ، بل يتعداه إلى السياحة بكل أنواعها ، دينية وعلاجية وتاريخية ومؤتمرات ونحوها ، والبرامج الزراعية العملاقة ، وإلى مشروعات الابتكارات وبراءات الاختراع ، ومشروعات السلع الإستراتيجية كالزيتون والعنب والزهور والفروالة ، إضافة إلى مصادر الطاقة والطاقة البديلة والطاقة النظيفة والغاز والبترول في الساحل الفلسطيني ونحوها من مشروعات العمل المثمر الأخرى.

إن الجغرافيا والطبيعة السكانية المتشابهة والعلاقات والوشائج التاريخية والطبيعية بين الشعبين الفلسطيني والأردني تحتم عليهما التفكير المشترك ، والتفكير بعمق ومسؤولية ،وبصورة استراتيجية وليست بمصلحة آنية،  لتحقيق الآمال والتطلعات وتأمين أعلى سقف ممكن من الإنجاز على المستوى بعيد المدى ، وهو الأمر الوحيد الذي يعتبر مجدياً في الواقع الاقتصادي في ميزان العمل المنتج مستقبلاً.

إن تجربة واحدة من تشبيك العلاقات السياحية بين فلسطين وتركيا تم توقيعها عام 2015م ، حركت مائة ألف سائح تركي نحو القدس عن طريق الأردن ، وهذا معناه بالضرورة وجود كمّ مالي للإنفاق الفردي من قبل السائح التركي في كل النقاط الأردنية تعود بالنفع على الأردن وعلى فلسطين في الآن ذاته ، فكيف إذا تم تأمين خطوط التجارة البينية بين البلدين أو اعتماد السلع الإستراتيجية الموحدة ودعمها في الأسواق العالمية بجودة موحدة وسعر منافس موحد!؟

إن تحقيق هذا النمط من التكامل في الجانب الاقتصادي يعني تفعيل الطاقات البشرية وتسييل حركة رأس المال انسيابيا وافتتاح المشروعات التجارية والاقتصادية والتنموية في البلدين الجارين ، وعلى الحدود بينهما، وتعزيز الشراكات الثنائية ، وتنويع حركة التجارية بما يجعل من الأردن نقطة انطلاق التواصل العالمي للبضائع والمنتجات للسوق العربي والخليجي وشمال الإفريقي من جهة، ولأوروبا وتركيا وروسيا من جهة أخرى .

إن تحقيق هذا النمط من الشراكة المدروسة يفتح آفاق التفكير خارج الصندوق الروتيني ، مما يعني تحقيق أرباح قياسية تسهم في خدمة الدخل القومي بصورة لافتة للبلدين ، وتقضي على حركة البطالة، وتشغل العقول المبدعة انتاجات وتسويقاً، والأهم من ذلك ، أن هذا التكامل يمثل ضرورة سياسية للخروج من حالة الاحتقان في المنطقة العربية نتيجة عوامل النزاعات الدائرة فيها ويوجه البوصلة نحو اتجاهات إيجابية بناءة.

صحيح أنه مشروع طموح ، ولكن تحقيق هذه المشروعات التكاملية لا يعني أبداً الاندماج ، بل يعني التكامل الإيجابي ، ولذلك ، وجب أن يتم التخطيط لهذا المشروع من قبل خبراء اقتصاديين وليس من قبل رجال الأعمال أو قيادات القطاع الخاص ورؤوس الأموال .

لقد أثبتت التجارب العالمية في الولايات المتحدة والسوق الأوروبية والتنسيقيات الاقتصادية بين دول الخليج العربي نجاحات فعلية ، ويمكن لهذا المشروع أن يكون المشروع الأنموذج ، الذي يستفيد من جغرافيا وتاريخ وعقول ورؤوس أموال الشعبين ، ويطرح نفسه كقوة اقتصادية عربية منتجة ومؤثرة بجودة إنتاج عالمية ، وبتسويق احترافي إيجابي في الأسواق الدولية .

وهنا ، يجب طرح الأسئلة الصعبة على صناع القرار ، هل من أولوياتهم تحقيق التنمية المستدامة؟
هل لدينا القدرة والشجاعة على البحث عن البدائل والقنوات البديلة لتحريك المياه الراكدة وتحقيق مصالحنا المشتركة؟
هل سنستفيد من العقول الإبداعية لدينا أم ستبقى أسيرة الدورات التدريبية والتأهيلية في بعدها النظري؟
هل سنطلق العنان لجيش خريجي الجامعات لدينا لتحقيق الأحلام بأيدينا أم سنبقى ننتظر العصا السحرية لتغير لنا الأحوال وتحقق لنا الأماني؟
وهل سنبقى مقيدين بالخوف من ردة فعل إسرائيل على مثل هذه الأطروحات التي هي حق لنا وتصب في مصلحتنا؟