إذا سقطت الرؤوس فاصنعوا رؤوسكم

بقلم: 

ما بعد هروب بن علي من تونس ، وسقوط شخصية مبارك الرمزية في مصر ، ومقتل القذافي في ليبيا ، ومشهد صالح في اليمن ، وإسقاط ورقة بشار في سوريا ، وتهديدات رؤوس أنظمة دول الخليج وبقية دول المشرق بالقلاقل والأزمات واستنزافها بالنزاعات المسلحة تارة وبالنزاعات الفكرية وصراع الصلاحيات تارة أخرى ، يتجلى مشهد جديد في الواقع السياسي العالمي ، مشهد يحتاج فعلاً الترقب والتمهل في التحليل والعمل .

لا شك أن كل ما يجري يراد منه قتل الأمل لدى الشعوب ، ووأد فكرة التغيير لديها ، وتغيير قناعٍ بقناع ، ومسمياتٍ بأخرى ، واللعب على وتر التناقضات الداخلية والاثنيات التي وُضعت كألغام مستقبلية للعب بها في وقت الأزمات العاصفة .

ثم لا شك بأن الغرب بات أكثر خوفاً على مصالحه في المنطقة ، وباتت عيونه مفتوحة بشكل واسع على كل تحرك وتصريح يصدر من أي جهة في المنطقة ، وهو يحاول إعادة ترتيب المشرق من جديد من خلال تصفية مصادر القوة والتشكيك بجدوى التحالفات ، وفرض تحالفات إقليمية جديدة مع إيران وغيرها ، وبات التخوف من الدب الروسي والتنين الصيني يأخذ أشكالاً متقدمة من التخطيط والتعامل الدبلوماسي ، وهو ما يعني اضطرابات واضحة في منظومة المخططات الغربية برمتها ، ووجود عامل فجوة في المخططات الاستراتيجية الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية والروسية والصينية لا بد من فهمها واللعب على وترها بحكمة من خلال العقل الجمعي الأخذ بالتشكل في المنطقة ، برغم عدم وضوح هوية هذا العقل ورؤوسه الفاعلة .

إن الاستخبارات الغربية تعمل على مدار الساعة في تحليل المشهد والتواصل مع أطراف الأزمات وتحديد المسارات والخطط والمخططات البديلة ، وهي بذلك تعبر عن حالة الخوف الذي تعيشه من شكل وحجم التغيير القادم ، والذي تفيد به كل دراساتهم وتحليلاتهم التي لا تنشر في إعلامنا العربي، ولكن المتابع للاعلام العالمي الروسي والإسرائيلي والأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني يعلم حجم المهددات التي وجدت في الواقع بعد الثورات التي وقعت ولا تزال في المشرق .

إزالة الرؤوس الحاكمة ، واستبدالها جزء من المخطط ، ولكن إزالة الرؤوس الأخرى هو الأخطر، وهي رؤوس التيارات الفكرية والسياسية التي يراهن عليها الغرب بقيادة التحول مستقبلا ، وهو أمر لا بد من الاهتمام به بشكل كبير وحساس، ففي العراق، تمت تصفية كبار العلماء والقادة السياسيين تصفية جسدية صامتة ، وفي سوريا الاستهداف على أشده، وفي تونس واليمن وليبيا المؤامرات لا تنتهي ،ومصر شاهد غبي على ما يتم، من أحكام الإعدام والاعتقالات والقتل في السجون ونحوها .

نحن اليوم أمام مشهد تطاير الرؤوس ، وأمام هذا المشهد ، يبني الغرب قيادات الظل من بقايا أزلامه في عالمنا العربي من الإعلاميين ورؤوس الأموال الفاسدة والقطط السمان المرتهنة بالغرب صورة وسيرة وسريرة ، وهو ما يستوجب وعياً إضافياً من قيادات عملية التحول التغييري الواعية ببداية مشروع مضاد في بناء القيادات الأساسية وقيادات الظلّ المجتمعي ، والتركيز على استنفار الهمم في صناعة القادة الشباب الواعين لإدارة الصراع في المرحلة القادمة .

لقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن القيادات الكلاسيكية في التيارات الإسلامية واليسارية والعروبية قد فشلت في إدارة دفة الأمور في الموجة الأولى للثورات ، ولكن الجميع يعلم أن موج البحر لا يختزل في موجة تضرب الشاطئ، وبأن تتابع الموج هو من يحدد شكل الشاطئ ومستويات خطره لمن يرغب بالسباحة فيه.
وفي ظل ارتهان الإعلام الرسمي المنظومات البائدة ، وسعي كثير من الإعلاميين للاستفادة من الفترات الراهنة منصباً ومالاً ، فإن التعويل لا بد أن يتوجه لقطاع التعليم العالي والجامعات ، وقيادات المجتمع المدني الفاعلة ، لبناء الخيارات الرديفة بعيداً عن استنساخ التجارب ، وهو الأمر الذي يجب على نخب الشباب العربي أن تبدأ به بسرعة وبدون توجيه ، بأن تستوعب تجارب ما تم ويتم ، وتبدأ ببناء منظومتها الفكرية وشبكة علاقاتها التواصلية داخلياً وخارجياً لإحداث الفارق واختزال الزمن في فهم المطلوب وبناء مسار التوجه ، وحشد الطاقات اللازمة مادياً ومعنوياً ، وتحديد قطاعات العمل على مستوى الكوادر البشرية ، لتبدأ مرحلة الرؤوس الجديدة ، التي ستفرض نفسها على الأجساد المنهكة فتغير طبيعة الحراك وشكل التوثب والجاهزية فيها .