هجوم متوقع على منظمات المجتمع المدني

بقلم: 

 

مؤخرا تداول نشطاء مهتمين في القطاع المدني تخوفاتهم مما يتناهى الى المسامع من ان السلطة الوطنية تقوم بدراسة الاليات التي تضع حدا لتدخلات المجتمع المدني في قضايا الشان العام، وان هناك نوايا لاصدار مراسيم تشريعية تضع العصي في دواليب الجمعيات والمؤسسات الاهلية، كمقدمة لتسهيل تدجينها وجعلها بلا مخالب مزعجة وبلا صوت يفيق الغفاة، وان افضل المداخل لهذه العملية من جانب السلطة الوطنية هو وقف التمويل لمنظمات المجتمع المدني وتقنينه بحيث ياتي( فقط )من خلال وزارة المالية، ومبرر المطالبين بذلك ان منظمات المجتمع المدني فيها فساد وتقوم بنهب الاموال التي تاتي باسم الشعب الفلسطيني، ( ويجب علينا الاقرار فعلا بوجود فساد في بعض  تلك المؤسسات) ولكن كافة المؤشرات واستطلاعات الراي بما فيها استطلاع للراي الذي اجراه مركز الاحصاء الفلسطيني لصالح هيئة مكافحة الفساد، واستطلاعات الراي التي اجرتها وتجريها مؤسسة امان ومراكز الابحاث المختلفة، تشير الى ان الانطباع حول الفساد في مؤسسات القطاع العام، يفوق الانطباعات حول انتشار الفساد في المجتمع المدني.
ان اي تغيير في الوضع القانوني الخاص بالمنظمات الاهلية يجب ان يستند الى تقييم علمي لاخر عشرة اعوام مثلا ، من اجل تحديد ما هي التحديات والعقبات التي تواجه تلك المؤسسات وما هي ابرز الانتقادات الموجهة لها .
ولا بد هنا من استعراض سريع للمواد والاحكام الموجودة في  قانون رقم (1) لسنة 2000م بشأن الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية والتي تتناول موضع الاستقلالية والرقابة والتمويل ،فالمادة (1) تقول للفلسطينيين الحق ... في تشكيل وتسيير الجمعيات والهيئات الأهلية ...والمادة (6) تقول ان على الوزارة المختصة مسئولية متابعة عمل الجمعيات والهيئات ومتابعة نشاط أية جمعية أو هيئة، للتثبت من أن أموالها صرفت في سبيل الغرض الذي خصصت من أجله، وعلى الجمعية أو الهيئة تمكين الوزارة من التثبت من أنها تقوم بأعمالها وفق أحكام هذا القانون ونظامها الأساسي.
)ويحق لأية جمعية أو هيئة أهلية حسب المادة (9) تملك الأموال المنقولة وغير المنقولة لتحقيق أهدافها. ولكن يجب ان تحتفظ الجمعية أو الهيئة في مقرها حسب المادة (11( بالسجلات المالية والإدارية الرسمية و   محاضر اجتماعات مجلس الإدارة بصورة متسلسلة.وسجل الواردات والمصروفات على وجه مفصل وفقا للأصول المالية.  وعلى المؤسسة الاهلية ان تقدم للوزارة المختصة في موعد لا يتعدى أربعة أشهر من نهاية السنة المالية تقرير مالي مصدق من قبل مدقق حسابات قانوني ويتضمن بشكل تفصيلي كامل إيرادات ومصروفات الجمعية أو الهيئة حسب الأصول المحاسبية المعمول بها.
كما تشترط المادة (31( على المؤسسة أن تودع أموالها باسمها لدى مصرف معتمد  وعليها أن تخطر الوزارة المختصة عن جهة الإيداع ولا يجوز للجمعية أو الهيئة الاحتفاظ لديها برصيد نقدي يزيد عن مصروف شهر واحد.ويحق للجمعيات والهيئات تلقي مساعدات غير مشروطة لخدمة عملها بما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون حسب المادة 32.ولا يجوز وضع اليد على أموال أية جمعية أو هيئة أو إغلاق أو تفتيش مقرها أو أي من مراكزها وفروعها (مادة (41( إلا بعد صدور قرار من جهة قضائية مختصة.
احكام وبنود القانون لو تم انفاذها وتطبيقها من قبل الجهات التنفيذية ( الوزارات المختصة ) ولجان الرقابة والتفتيش، وبشكل شفاف وواضح، لما استطاعت اي من المنظمات الاهلية ان تتلاعب باموالها، ولكانت كافة المعلومات المالية والادارية حول المنظمات في جعبة الوزارة ولاستطاعت الجهات المختصة بالتحقيق وملاحقة وحتى باغلاق الجمعيات التي ثبت فسادها، ولكننا دائما نجد ان افضل السبل هي ايجاد التبريرات لعجزنا عن القيام بواجباتنا والبحث عن حلول ابداعية خلاقة تتفق مع الميول الدكتاتوية لبعضهم.
اصل فكرة منظمات المجتمع المدني
مع انهيار نظم الحكم الشمولية في أواخر الثمانينات في شرق أوروبا وبعض دول العالم الثالث وتزايد الاتجاه نحو الديمقراطية برزت الدعوة إلى المجتمع المدني كمصطلح جديد في تلك الدول،  وقد تمت دراسة وتحليل المصطلح من قبل المثقفين واختلفت المواقف والآراء في هذا الشأن، وكان هناك كثير من المؤيدين ينطلقون من تأييدهم من أن التطور الديمقراطي للمجتمعات المختلفة وتحديثها يتطلب قيام تنظيمات غير حكومية تمارس نشاطا يكمل دور الدولة ويساعد على إشاعة قيم المبادرة والجماعية والاعتماد على النفس ما يهيئ فرصا أفضل لتتجاوز هذه المجتمعات مرحلة الاعتماد على الدولة في كل شيء .
ويطلق مصطلح "المنظمات غير الحكومية" على قطاع عريض من المنظمات أو المؤسسات الأهلية والطوعية والتي لا تستهدف الربح وتعمل طوعياً في مجالات خدمية إنسانية واجتماعية، أو تنموية أو تربوية. وتزايد عدد هذه المنظمات الطوعية والأهلية في الآونة الأخيرة بصورة غطت جميع مناحي الحياة ويمكن تصنيفها كالتالي: الجمعيات الخيرية والتعاونية، وهي الأقدم تاريخيا ومتأثرة بالبنية التقليدية للمجتمعات المختلفة، المنظمات الجماهيرية (جماعات المصالح) مثل المنظمات النسائية والنقابات العمالية والمهنية، المنظمات التنموية، وغيرها.
بعض المسؤولين لا يقبلون المشاركة

يعتبر صنع السياسات من المهام الأساسية لأي دولة، لكن هذه العملية لا تأتي من فراغ فهي ذات طابع ديناميكي ونتاج تفاعل أطراف عديدة حكومية وغير حكومية، والمجتمع المدني له دور أساسي في عملية صنع السياسة سواء من خلال  تحالفها مع بعضها البعض او صراعها  مع بعضها البعض، أو مع الدولة في سبيل التأثير على عملية صنع السياسة ، أو من خلال تقديمها لأنماط عديدة من الضغوطات -المدخلات معلومات – مشاورات – خبرة – مطالب – تأييد …..الخ  للنظام السياسي
إن الأصل في العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني إنها علاقة تكامل واعتماد متبادل وتوزيع للأدوار، وليست علاقة تناقض أو خصومة، فالمجتمع المدني ما هو إلا أحد تجليات الدولة الحديثة التي توفر شرط قيامه عن طريق تقنين نظامٍ للحقوق ينظم ممارسات كافة الأطراف والجماعات داخل المجتمع.  كما أن المجتمع يعتمد على الدولة في القيام بوظائفه الأساسية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية من خلال ما تضعه من تنظيمات.  فالدولة والمجتمع المدني متلازمان، لا دولة من دون مجتمع ولا مجتمع من دون دولة، بل إن المجتمع المدني هو وليد قوة الدولة ومن أجل موازنة قوتها.  فلم يتطور المجتمع المدني في الغرب لتقويض الدولة، لقد كان المجتمع المدني والدولة القوية حصيلة التطور المتوازي.  كما أن الدولة تستطيع أن تسهم في تقوية المجتمع المدني أو في تطور مجتمع مدني صحي من خلال وضع قوانين واضحة قابلة للتطبيق لعمل هذا المجتمع، وأيضاً تقديم حوافز له.  وعلى الصعيد المقابل فإن منظمات المجتمع المدني تصبح أكثر فعالية في المشاركة في عملية صنع السياسة، إذا كانت الدولة تتمتع بسلطات متماسكة قادرة على وضع السياسات وتنفيذها
لقد نظرت الحكومات المحافظة مثل بريطانيا الثمانينيات إلى نشاط هذه المنظمات باعتباره بديلاً عن الدولة ومستقلاً عنها، ولذلك اعتبرت التبرعات الخاصة هي المورد الأساسي لتمويل هذه المنظمات.  أما الحكومات التي لم تتراجع كلية عن أسس دولة الرفاهة الاجتماعية مثل ألمانيا وفرنسا، فقد شجعت المنظمات غير الحكومية وموَّلتها على اعتبار أنها جسر يربط بين الدولة والمواطنين بحيث يمكن أن يقدم الخدمات لهم دون أن تضطر الدولة إلى التوسع في الهيكل البيروقراطي.  وبالفعل زاد إسهام المنظمات غير الحكومية في بلدان عديدة مثل بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها، في مجالات الصحة والتعليم والثقافة ومساعدة الفقراء، فحوالى ثلاثة أرباع إنفاق هذه المنظمات في البلدان السابق الإشارة إليها تواً يتجه إلى الخدمات الاجتماعية بأنواعها.
خصوصية فلسطينية
تنفرد المؤسسات الأهلية الفلسطينية عن مثيلاتها في البلدان العربية والعالم بخصائص فرضتها حقائق استثنائية، أنها تعمل على أرض لا زالت خاضعة للاحتلال الإسرائيلي بكل ما يعنيه ذلك من ضرورات معالجة نتائج سياسة التدمير المنهجية لكل مقومات المجتمع المدني الفلسطيني والظروف بالغة القسوة للاحتلال بوقائعه اليومية الضاغطة كتهويد القدس والمحاولات المستمرة لتهجير سكانها الفلسطينيين، وتخريب الاقتصاد الوطني ، والاعتداءات العسكرية المتكررة.
هذه السياسات العنصرية أنتجت وضعاً إنسانياً صعباً للغاية شمل معظم فئات الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وفي المهاجر، بدءاً من حالة التهديد وفقدان عامل الأمن الحياتي والاجتماعي، مروراً بنقص خدمات التعليم والصحة وتوفير ميادين عمل إنتاجية، وانتهاء بمصادرة الحقوق الوطنية والإنسانية بصفة عامة.
هل نحن ملزمون بنسق معين ؟
ان من قائمة الاتفاقيات والمعاهدات التي وقع الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين ،  لانضمام دولة فلسطين إليها كان العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتشير المادة   43   من العهد الدولي الى انه :
ينبغي أن تبين الدول الجهود المبذولة لتعزيز احترام جميع حقوق الإنسان في الدولة. وقد يشمل هذا التعزيز الإجراءات التي يتخذها الموظفون الحكوميون والهيئات التشريعية وغيرها، وينبغي بوجه خاص أن تقدم الدول معلومات عن دور المجتمع المدني. مدى مشاركته في تعزيز وحماية حقوق الإنسان داخل البلد، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتشجيع وتعزيز وحماية نمو المجتمع المدني. لذا فمن الصعب علينا كفلسطينين ( ذاهبون)  الى دولة المؤسسات ، والى الخيارات الدولية في حل صراعنا التاريخي مع الاحتلال، ان نتنكر لما قيل في المجموعات الدولية حين التوقيع على اتفاقياتها.
ان الإدراك بأننا ما زلنا نواجه التحديات التي يفرضها علينا الاحتلال، بالإضافة إلى برامج اجتماعية يتطلب تصليب التماسك المجتمعي الفلسطيني، وإعادة صياغة علاقات مؤسسات السلطة الوطنية ( الدولة) مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الأهلية المختلفة، في إطار مرجعي نحو تنمية اجتماعية تهدف إلى تعزيز تماسك المجتمع، وبناء مؤسسات حكومية مترابطة مع بقية أجزاء ذلك المجتمع.
كي نتمكن من بناء دولة فلسطينية متصلة ومجذرة في المجتمع الفلسطيني، علينا خلق الظروف المواتية لترسيخ العلاقات التحاورية بين المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع المدني والأفراد، هذا يتطلب بناء مؤسسات حكومية فعالة.إفساح المجال أمام مؤسسات مجتمع مدني نشطة.مراكمة رأس مال اجتماعي لدى الأفراد.بناء مؤسسات حكومية فعالة، المؤسسات الحكومية تتفاوت في مدى فعاليتها وفقاً لمدى ترابط المؤسسة بالمجتمع،
مجتمع مدني هل هو نشط ؟
ان التحالف والاستيعاب قد يحول أو يحسن من قدرة قوة اجتماعية محددة في تحقيق أهدافها، علاقات الحوار الدائم مع مجمل القوى الاجتماعية تعمل على تغيير دائم في بيئة وطبيعة القوى المنخرطة في الحوار، أي أن القوى الاجتماعية المختلفة خاضعة للتغير والتحول ليس فقط في إمكانياتها، لكن أيضاً في مرتكزاتها الاجتماعية والأيديولوجية، من تخدم وما هي أهدافها وبرامجها، لذا فإن عملية الحوار تشكل النشاط المؤسساتي الذي يضمن حيوية المؤسسة للتغيرات والتحديات الاجتماعية الجديدة سواء أكانت تلك المؤسسة حكومية، أهلية أو أي قوى اجتماعية أخرى، وفي نفس الوقت أي استثناء لقطاعات وقوى اجتماعية وما تسمى بمتطرفة يفوت الفرصة على تلك القوى في المساهمة والتأثير، كما يخلق قوى صدامية غير بناءة، بالإضافة إلى فقدان جهود تلك القوى من عمليات.
التكامل والتعاون بين السلطة والمجتمع المدني
من الواضح أنه ليس باستطاعة مؤسسات السلطة، أو القطاع الخاص، أو المجتمع المدني منفردة مواجهة التحديات المفروضة على المجتمع الفلسطيني ورعاية عملية التنمية، لا تتوفر لأي من القطاعات الموارد اللازمة سواء المادية منها أو البشرية لقيادة عملية التنمية بمفردها، لذا من المفترض خلق علاقات المشاركة والتكاملية ضمن المؤسسات داخل القطاع الواحد وعبر القطاعات.
لا يوجد هناك أي بديهيات بأن السلطة أو المجتمع المدني أو القطاع الخاص له دور جيد أو سيء، تلك الأدوار متغيرة حسب تغير تحقيق الأهداف الجماعية عبر القطاعات، لكن من بين تلك الأدوار يعتبر دور السلطة، أو الدولة في فتح المجال الملائم لعلاقات تنموية إيجابية, ومن أهم الأدوار وأكثرها إشكالية في نفس الوقت، لذا فمن المهم تشجيع الجيوب الفعالة داخل مؤسسات السلطة من خلال خلق الظروف المواتية لإنتاج مكافئة الحكم الجيد والفعال.
إن عمليات التكامل والتعاون المطلوبة بين المؤسسة الحكومية وسلوكيات وممارسات الأفراد ضمن المؤسسات المدنية تكون تعتمد على التكاملية في الأدوار والانخراط المتبادل في البرامج والعمل. التكاملية بحاجة إلى مؤسسات حكومية تعمل على حماية حقوق الأفراد في الانتماء وإلى المؤسسات المدنية في التوسع، والانخراط بحاجة إلى مؤسسات منفتحة وقادرة وأفراد منفتحين وقادرين على نسج العلاقات مع المؤسسات الرسمية والرموز العامة.
هذا التعاون المطلوب من قبل مؤسسات المجتمع المدني مع مؤسسات السلطة الوطنية أيضاً بحاجة إلى ثقة الأفراد والمؤسسات في مؤسسات السلطة، أيضاً ثقة الأفراد العاملين في جهاز السلطة أنفسهم بمؤسساتهم.