إشكالية العلاقة بين اليسار الفلسطيني و"التيار الإسلاموي"

بقلم: 

لا شك أن اليسار الفلسطيني يصنف ضمن التيار الوطني حيث أن إفكاره وعقيدته الاجتماعية والاديلوجية رغم كونها تنطوي على بعد أممي ،الا أن ولاء وإنتماء اليسار أولا واخير يعود إلى الوطن والمشروع الوطني بمختلف تجلياته وابعاده،على عكس التيار الأسلاموي الذي يختزل الوطن بمشروعه وعقيدته الايديلوجية العابرة للحدود بظاهرها وباطنها،وهي الايديلوجيا التي تفاضل بين الوطني وبين الأسلاموي حتى لو كان أفغانيا حيث تقدم الأخير على الأول على قاعدة رابطة الجماعة. هذه الخلفية عن الاختلافات والافتراقات الحادة بين التيار الوطني بإطاره الجامع لمختلف التكوينات بغض النظر عن الخلفية الدينية والفكرية، وبين الإسلاموي بفكره وعقيدته الصفرية الأحادية ،تدعوني إلى الخوض في ضوء حالة الالتباس السياسي في علاقة اليسار الفلسطيني ممثلاً بالجبهة الشعبية مع الإسلاموية ممثلة بحركة حماس.

وتعود العلاقة بين الجانبين إلى مطلع التسعينات حيث إئتلف الطرفين في إطار القوى العشرة الموازي لتوجه منظمة التحرير في مسار مدريد ،ورغم إخفاق هذا الأطار في تشكيل حالة سياسية ومعادلة في الساحة الفلسطينية وبالتالي تفككه في ما بعد لكونه شكل أساسا بإيعاز النظام السوري في إطار المناكفات العربية الظرفية،الا أن هذه التوطئة شكلت إساسا لإلتقاء الطرفين والتحالف في محطات لاحقة ،منها على سبيل المثال لا الحصر التحالفات الطلابية في جامعات الضفة (الخليل وبيرزيت) إضافة إلى الأنسجام في خط سياسي وخطاب اعلامي شبه موحد ضد منظمة التحرير وبرنامجها الوطني الذي صوتت عليه الجبهة الشعبية في الجزائر عام 1988( وثيقة الاستقلال) التي تشكل منطلق ومرجعية تحرك القيادة دوليا وحتى على صعيد المفاوضات مع إسرائيل ....رغم وضوح مشروع حركة حماس الرامي إلى الهيمنة وحمسنة الحياة والسياسة الفلسطينية والنظام السياسي والمجتمعي برمته، بكل ما ينطوي ذلك على رفض الأخر الوطني،وهو ما اتضح بعد تجربة السيطرة على غزة وإختزال حركة حماس للحالة السياسة والرمزية التي تشكلها غزة ورفض الأقرار أو الأعتراف بأية تعددية الا في سياق خدمة مشروعها وبالتالي التحالف المؤقت في أطار استراتيجية النيل من رمزية واعتبارية حركة فتح التي تشكل الحصن الوطني الذي يحول دون إحداث التحول الاسلاموي الذي تطمح وترمي إليه حركة حماس منذ عقدين على إقل تقدير والذي لا تزال تواصل السعي لتحقيقه.

إن جملة من الملاحظات التي تسجل على الجبهة الشعبية ،تعد مدعاة للتساؤل، بأي منظار تقيس الجبهة الشعبية خطواتها وتحالفاتها مع حركة حماس في مواجهة منظمة التحرير؟؟ حقيقة لا أعلم على أي قاعدة سياسية تمارس الجبهة الشعبية تفاعلها السياسي في اطار المعادلة بين الوطني والأسلاموي،الأمر الذي يبقي باب التساؤل مفتوح،هنا نسأل: هل من مصلحة الجبهة إضعاف أو النيل من حركة فتح وقيادة المشروع الوطني ؟؟ وهل تدرك الجبهة مخاطر المناورة أو اللعب على هذا التناقض أو الثنائية التي كرستها حماس في الساحة الفلسطينية(نحن وهم)؟؟ لعل من المثير للجدل وجود هذا المستوى والإلتقاء في خطاب التشكيك بنزاهة ووطنية القيادة وحركة فتح (انظر تصريحات عضو مركزية الجبهة ذو الفقار الذي وصف القيادة التي تقود الحراك الدولي بإنها قيادة بعقلية غير مناضلة وغيره الكثير من التصريحات التي تنال من وطنية قيادة المنظمة وتنعتها بالخيانية ).

تشكل الجبهة الشعبية على خلاف العديد من قوى الساحة ،حالة مثيرة للجدل إذ رغم كونها عضو في منظمة التحرير ،ورغم أن الأنقسام الذي تسبب به إنقلاب حماس جاء على إرضية الصراع التاريخي بين التيار الوطني والتيار الاسلاموي،تصر وترفض الجبهة الأعتراف بذلك وتواصل الزعم بأن الصراع حزبي بين فتح وحماس ،رغم أن المعادلة واضحة وضوح الشمس .في ضوء هذا الاشكال والالتباس لربما تجدر الأشارة إلى أن الجبهة الشعبية مطالبة بالأجابة عن التساؤلات التي تم التطرق إليها اعلاه ،حيث أن الوطنية بمفهومها العام لا تقبل الحياد أو لعب دور الصليب الأحمر ،وبالتالي على الجبهة أن تتعض من أحداث مصر خلال السنوات الاخيرة التي كادت أن تنهي الوطن والدولة على خلفية الخطيئة التي إقترفها اليسار والعلمانين بالتحالف مع الاخوان الذين يرمزون إلى النقيض الايديلوجي للوطن ومشروع الدولة ...إخيرا إن الجبهة ليست مطالبة بهز الرأس أو وليست مطالبة بالتوقف عن معارضة أي اعوجاج أو التباس سياسي ،وإنما هي مطالبة بأن تلعب هذا الدور في أطر منظمة التحرير أو المؤتمرات الوطنية وليس على منابر ومؤائد حركة حماس التي تستغل خطاب الجبهة المعارض في سياق مشروعها السياسي وفرض البديل بعد الأجهاز على حركة فتح ومنظمة التحرير في وعي الرأي العام والشعب وهو توجه خطير قطعت حركة حماس شوط كبير في تحقيق عبر تكريس خطاب الثنائية الممثل بإدعاء وإحتكار الطهارة والمقاومة ووصم فتح ومنظمة التحرير بالخيانة والعمالة.

بقلم: الأسير ماهر عرار- من سجن النقب