السعودية والتصدي للإرهاب

بقلم: 

لقد شكلت الحركات الاحتجاجية في بعض الدول العربية منذ انطلاق شرارتها, أرضية خصبة أمام القوى الإقليمية والدولية المتنافسة لفرض أجندتها ومخططاتها من خلال بناء التحالفات والاستقطابات, كما كانت فرصة استطاعت جماعة الإخوان المسلمين من اغتنامها لفترة وجيزة, كما أنها شكلت أرضية خصبة  لظهور وتشكل جماعات وتيارات أيديولوجية متعددة, مستغلة حالة الفوضى وعدم الاستقرار بعد سقوط الأنظمة السياسية في تلك الدول, فتنامت ظاهرة الجماعات والتنظيمات الإرهابية باختلاف المسميات والتوجهات والمرجعيات, وكان أبرزها وأكثرها حضوراً وخطورة ما عرف بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش", إلى جانب استغلال بعض القوى الإقليمية كإيران لحالة الفراغ والفوضى التي رافقت الحركات الاحتجاجية والبدء في تغذية وإثارة الروح والنزعة الطائفية, خدمة لمشروعها الصفوي القائم على مبدأ تصدير الثورة ونشر المذهب الشيعي, من خلال حلفائها وأذرعها في المنطقة العربية, إذ أن ما تشهده المنطقة العربية من تحولات دراماتيكية متسارعة يأتي ضمن سياق المخطط المعد مسبقاً من قبل أمريكا والدول الغربية تجاه الدول العربية لتقسيمها وتفتيتها إلى دويلات متناحرة على أسس طائفية وعرقية وإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط.

إن الأهمية الاستراتيجية التي تتميز بها منطقة الخليج العربي, جعلها محط أطماع وتنافس القوى الإقليمية والدولية والقوى والجماعات من غير الدول, كما جعلها عرضة للكثير من التهديدات والأخطار ومحاولات زعزعة أمن واستقرار دول الخليج في ظل ما تشهده المنطقة من فوضى وعدم استقرار, سواء داخلياً أو خارجياً من خلال إثارة المشاكل والنزعة الطائفية أو من خلال ارتكاب الأعمال الإرهابية, كما هو حاصل في كل من سوريا والعراق واليمن, فالنزعة والروح والفتنة الطائفية أصبحت سائدة ومتجذرة, إذ أن الصراع الدائر على السلطة تغذيه الروح الطائفية والأفكار والتوجهات التكفيرية الإرهابية, بدعم ومساندة من قبل القوى الإقليمية والدولية المتنافسة لبسط النفوذ والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص. فالأحداث الجارية في كل من سوريا والعراق واليمن تشكل مصدر تهديد حقيقي للأمن القومي الخليجي, فتسعى القوى الإقليمية إلى إحداث حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي في دول الخليج, وزادت هذه المساعي بشكل خاص مع بدء تنفيذ قوات التحالف عملية عاصفة الحزم بقيادة السعودية ضد الحوثيين في اليمن, وما رافقها من تصريحات عدائية وتهديد من قبل إيران وأذرعها وحلفائها تجاه السعودية بشكل خاص, واستغلال التنظيمات الإرهابية لتلك الظروف لنشر الفتنة وإثارة النزعة الطائفية, بعد أن استطاعت دول الخليج من تأمين الجبهة الداخلية في أوج ما تشهده المنطقة من تحولات وتطورات.

واستمراراً للعوامل المشتركة التي تجتمع عليها التنظيمات الإرهابية والأطماع الإيرانية تجاه دول الخليج, من افتعال الأحداث والمشاكل التي تكون مقدمة لولوج دول الخليج في حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني وضرب الوحدة الوطنية بها, بإثارة الخلافات والنزعة والروح الطائفية, فقد تعرضت المملكة العربية السعودية لعمليات إرهابية استهدفت مساجد في كل من القطيف والدمام يؤمها أبناء السعودية من الطائفة الشيعية, حيث أعلنت "داعش" مسؤوليتها عن تلك العمليات, في محاولة منها لإذكاء الفتنة والحرب الطائفية في السعودية وإغراقها في مشاكل داخلية, إلى جانب محاولة تأجيج الصراع بين إيران والسعودية, لخلط كافة الأوراق والحسابات في منطقة الشرق الأوسط.

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تتعرض لها السعودية لأعمال إرهابية, فمنذ تسعينيات القرن الماضي تتعرض السعودية لموجة من الأعمال الإرهابية وزادت حدتها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مع تنامي دور تنظيم القاعدة, وذلك باستهداف بعض المقرات الأمنية والمؤسسات الحكومة ومساكن خاصة بالأجانب. إلا إن السعودية ومنذ اللحظة الأولى لتنامي ظاهرة الجماعات الإرهابية, تمكنت من وضع استراتيجية متكاملة للتصدي ومحاربة الإرهاب الداخلي والخارجي, هذه الاستراتيجية قائمة على الجوانب القضائية والإرشادية والفكرية والاجتماعية والأمنية, من خلال تنفيذ عقوبات رادعة لكل من ينفذ عملاً إرهابية يخل بالأمن والاستقرار داخل المملكة, ومحاصرة البؤر الإرهابية وتجفيف منابع التمويل وتفكيك الخلايا والشبكات الإرهابية, ونشر الوعي في أوساط الشعب من خلال الخطب والدروس الدينية التي تجرم وتحرم الإرهاب, وإعادة التأهيل والاحتواء الإنساني لكل من كان متورط بالانضمام لتلك الجماعات الإرهابية  وغيرها من الوسائل التي حددتها المملكة لمحاربة الإرهاب, وذلك بتبني وتفعيل الاستراتيجية الوقائية, إلى جانب المساهمة الفاعلة والهادفة في تعزيز التعاون الأمني مع الدول العربية, والمشاركة في كافة المحافل الإقليمية والدولية والانضمام للعديد من المنظمات والهيئات والتوقيع على العديد من الاتفاقيات ذات الصلة بمكافحة ومحاربة الإرهاب.
لقد شكل العمل الإرهابي ضد المساجد في القديح بمدينة الطائف والعنود في مدينة الدمام, لدى القيادة مزيداً من الاصرار والعزم والحزم للتصدي للإرهاب وكل ما يهدد الأمن القومي السعودي, كما أنه يضع المجتمع السعودي كافة سواء في المستوى الرسمي أو الشعبي أمام مسؤوليته التاريخية والوطنية والدينية للدفاع عن أمن واستقرار وسلامة السعودية وذلك بالوقوف جنباً إلى جنب واليقظة, لتفويت الفرصة والتصدي لكافة المخططات والمآمرات التي تحاك من قبل إيران وحلفائها ومن قبل "داعش", الهادفة لنشر الفوضى وعدم الاستقرار.