واقع الانقسام العربي وسيناريوهات التقسيم

بقلم: 

على وقع إرتفاع لهيب الحروب الطائفية التي يتطاير شررها في عموم البلدان العربية وفي سياق حالة الاصطفاف المذهبي التي تعبر عن توازنات المرحلة،يتواتر الحديث عن فرضيات وسيناريوهات التفتيت والتقسيم ،التي تستهدف المنطقة من قبل الغرب والولايات المتحدة تجاه وحدة الشعوب والمنطقة. ويرى الكثيرون أن خطط التقسيم التي ترجع إلى ما قبل مرحلة الاستعمار،تأتي في هذه المرحلة كاستكمال للفصل أو الجزء الثاني من سايكس بيكو وهو الاتفاق الذي قسم المنطقة العربية إلى كيانات مستقلة، وهنا لا جدال في أن القلاقل والنزاعات التي تشتعل بها المنطقة تصب في محصلتها في مصلحة وخدمة أجندات الغرب في المنطقة،لكن الحديث عن نظرية المؤامرة وفرضيات التقسيم الموجهة إلى المنطقة في ظل وجود ثقافة وارث مذهبي تاريخي عاصرته البلدان العربية منذ قرون وشهدت خلاله جولات وصولات من الصراعات والانقسامات خلقت وانشئت فراغات في الوعي وانتجت عقلية وعقيدة تفوق المذهب وتراجع عقيدة الوطن الامر الذي أدى إلى نشوء حالة رفض وثقافة اقصاء للأخر ،وهو ما يجعل من الحديث عن مؤامرة وسيناريوهات تقسيم وتفتيت أمرا مستغربا ومستهجن في الوقت نفسه !.

وهنا لا بد من الأشارة إلى أن فرضيات وسيناريوهات التقسيم ان وجدت فأنها جاءت في ضوء توفر أرضية وبيئة خصبة لتمريرها(انظر لتاريخ الصراعات المذهبية الموغلة منذ القدم التي سادت في المنطقة) ...هذا الواقع يستدعي السؤال :سيما في ضوء حالات الرفض والكره وبروز حالات الاصطفاف المذهبية في الدفاع عن المذهب على حساب الوطن والمواطنة، التي ظهرت في سياق الخريف العربي الذي كشف ما كان مخبوء في قاع مجتمعاتنا وشعوبنا العربية،هل بقي أي أساس للتعايش والشراكة في اطار وحدة سياسية وجغرافيا واحدة؟؟ في هذا السياق، لربما يعد العراق وسوريا نموذج يعكس حالة وواقع الانقسام الثقافي والطائفي وحتى الجغرافي على مستوى الحارات والمحافظات الخ ،وهي نماذج تسقط نظرية المؤامرة وتظهر حقيقة أن التعايش الذي ساد العراق وسوريا في مراحل مختلفة يرجع إلى القبضة العسكرية وبطش الدولة الذي كان يقمع ويفرض سلطانه على السني والشيعي على السواء.

هذا الواقع يعد مدعاة للسؤال الكبير ،وهو: إذا كان الشيعي والسني على السواء يرفضون من حيث الأرث التاريخي والثقافة والعقيدة الشراكة على أساس الوطن والمواطنة ،هل ثمة حاجة أو أية جدوى أو قيمة لمعنى الوطن والاطار الواحد (العراق مثال) الذي يرتفع شعاره كلما خطى الغرب خطوة بإتجاه اللعب على وتر وقناة حالة الانقسام الطائفي(مثال قانون الكونجرس الخاص بتمويل السنة في العراق بالسلاح بشكل مستقل عن إدارة بغداد)؟؟ ...لا بد من الاقرار بفشل تجربة الوحدة حتى في نطاق الدولة القطرية، وبالتالي التوجه إلى مناقشة نشوء اللامركزية أو أي شكل من اشكال الادارة الذاتية او المستقلة سيما في ضوء فشل مبدأ الوطن والمواطنة، للخروج من نفق الصراعات والانقسامات التي انهكت المنطقة وأدخلت الشعوب والاوطان في مستنقعات لانهاية لها تحت رايتها المقيتة التي تعلو راية الوطن ورمزية الدولة.

بقلم: الأسير ماهر عرار من سجن النقب