السعودية وإيران والاشتباك غير المباشر

بقلم: 

بدأت قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بتنفيذ عمليات عسكرية ضد جماعة أنصار الله الحوثية المتحالفة مع الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح, وأطلق على هذه العمليات اسم عاصفة الحزم, وذلك بعد أن نفذ الحوثيين انقلاباًعلى الشرعية السياسية وعلى مخرجات الحوار الوطني الممثل باتفاق السلم والشراكة, وسيطرتهم واستيلائهم على العديد من مؤسسات الدولةالدستورية, وجاءت هذه العملية بناءً على طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور من دول مجلس التعاون الخليجي بالتدخل لدعم الشرعية وحمايتها وحماية أمن واستقرار اليمن, إلى جانب استشعار قادة دول مجلس التعاون الخليجي خطورة الأحداث في اليمن وانعكاسها على أمن واستقرار دول الخليج وتحديداً المملكة العربية السعودية, بعد فشل كافة المحاولات لإقناع الحوثيين بالعودة إلى طاولة الحوار والالتزام بما جاء في المبادرة الخليجية وما تمخض عنه الحوار الوطني من اتفاق السلم والشراكة, وزاد هذا الاستشعار حدة بعد أن أحكم الحوثيين المدعومين من قبل إيران مالياً وعسكرياً وسياسياً سيطرتهم على العديد من المدن اليمنية, وتواجد إيراني ظاهر وعلني منذ الحركة الاحتجاجية في اليمن, بالتزامن مع التمدد والنفوذ الإيراني في المنطقة في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان, فكان اتخاذ قرار التدخل العسكري من قبل دول مجلس التعاون الخليجي وتشكيل تحالف عربي,لمواجهة والتصدي للأخطار التي أصبحت تهدد الأمن القومي العربي, في ظل التمدد الشيعي الإيراني وتزايد ملحوظ للجماعات الإرهابية في المنطقة.

بعد مضي 27 يوماً من العمليات العسكرية المركزة  والمكثفة ضد الحوثيين وقوات صالح, أعلن المتحدث الرسمي باسم التحالف العربي مساء الثلاثاء 21 إبريل 2015 العميد ركن أحمد عسيري, انتهاء عملية عاصفة الحزم والبدء بعملية إعادة الأمل, بعد أن حققت جميع أهدافها, وتمكنت قوات التحالف من شل القدرات العسكرية للحوثيين, وتصدت لتهديداتهم لأمن واستقرار السعودية ودول الجوار, مع استمرار فرض الحصار البحري واستهداف تحركات الحوثيين كلما دعت الحاجة إليه, وبناءً على طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي, بعد أن اطمئن بأن الهدف من العملية قد تحقق, بحماية الشرعية والقضاء على خطر الحوثيين وفقدهم للعديد من قدراتهم وامكانياتهم العسكرية.

تعتبر عاصفة الحزم أول مواجهة عسكرية غير مباشرة بين السعودية وإيران كقوتين أساسيتين مؤثرتين في كثير من قضايا المنطقة, في ظل التنافس القوي والمحتدم منذ الثورة الإسلامية في إيران 1979 بينهما, واتساع نطاق التنافس والنفوذ في ظل المتغيرات السياسية في الإقليم. فهناك عدة ملفات كبرى بين القوتين, أولها يتعلق بالملف الديني المذهبي, وثانيها التنافس على صدارة وقيادة منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي, وثالثها العلاقات مع الدول الغربية بشكل عام والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص, ورابعها ملف النفط وكميات الانتاج والأسعار والتصدير, وخامسها السيطرة والتحكم بمضيقي هرمز وباب المندب الاستراتيجيين.
كما أن بين السعودية وإيران عدة مناطق اشتباك غير مباشرة وغير معلنة ومواجهة وتنافس متزايد, ساهمت به المتغيرات والتحولات والتطورات في المنطقة الإقليمية, فأهم مناطق الاشتباك الغير مباشر, تتمثل في سوريا ولبنان والبحرين واليمن والعراق ومصر وأفغانستان وفلسطين, وتستغل إيران في هذه المناطق الأحداث الجارية فيها والقوى والجماعات المدعومة من قبلها لتوظيفها في تحقيق الأجندة والسياسة والأطماع والتطلعات الإيرانية.
جاءت عاصفة الحزم في الوقت الذي يتعرض فيه الأمن القومي العربي للتهديد والخطر, في أوج التغيرات والتحولات التي صاحبت الحركات الاحتجاجية, وتنامي نفوذ وقدرات التنظيمات الإرهابية والجماعات التكفيرية, إلى جانب تنامي التغلغل والنفود والتدخل والأطماع الإيرانية في المنطقة العربية, ودعمها لحلفائها سياسياً ومالياً وعسكرياً سواء من ذات المذهب أو نقيضه من أجل تنفيذ مخططها الصفوي وتصدير ثورتها الإسلامية ونشر المذهب الشيعي وتشكيل جيش يكون تابع لسيطرتها وحكمها وقيادتها في الكثير من الدول العربية, لتكون جيش الهلال الشيعي, ليكون أداة لتنفيذ مخططاتها وسياستها, والعمل من خلاله على زعزعة أمن واستقرار دول المنطقة,فإيران استطاعت في غمرة انشغال الدول العربية بمشاكلها الداخلية, والفراغ الذي ترافق مع سقوط النظام العراقي, أن تستغل هذه الفرصة وتبدأ في التمدد والنفوذ, وأخذت تهدد أمن واستقرار الأمن القومي العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص, وأخذت بالتوسع وتشكيل خلايا ومراكز قوى وبناء تحالفات استراتيجية وتوفير الدعم والمساندة لحلفائها في المنطقة في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن, فكانت عاصفة الحزم في اليمن ضد الحوثيين نقطة تحول استراتيجية لمواجهة هذا التمدد والقضاء عليه, ونقطة تحول في طبيعة التنافس الإقليمي بين السعودية وإيران, لترسم معها ملامح جديدة لمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص وتحديداً منطقة الخليج العربي.

جاءت عاصفة الحزم في الوقت الذي كانت تشهد في العاصمة السويسرية لوزان مفاوضات مكوكية بين (G5+1) وإيران بشأن النووي الإيراني, مع تزايد المؤشرات الدالة لقرب التوصل لاتفاق مبدئي وهو ما تم في 2 إبريل 2015 ليفتح المجال لإمكانية التوصل لعقد اتفاق نهائي بحلول نهاية شهر يونيو 2015, في ظل استمرار المخاوف لدى دول مجلس التعاون الخليجي وتحديداً السعودية من طبيعة وحقيقة أهداف برنامج إيران النووي. وعلى الرغم من إبداء قادة دول الخليج العربي ترحيبهم بالتوصل لاتفاق إطار بشأن الملف النووي الإيراني, إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار حالة القلق والترقب لما ستؤول إليه المفاوضات النهائية, فالسعودية تدرك بأن هكذا اتفاق سيكون المستفيد الأكبر منه هو إيران, وذلك برفع الحصار والعقوبات الاقتصادية وتخفيف الضغوط الدولية وقدرة إيران من تطوير لمنظومتها العسكرية وتزايد دعمها بشكل أكبر وأكثر لحلفائها وأذرعها وإمدادهم بالمال والسلاح, إلى جانب التخوف من أن يؤسس هذا الاتفاق لتقارب بين أمريكا وإيران يزيد من قوة إيران ونفوذها إقليمياً ودولياً على حساب السعودية, وهذه المخاوف نابعة من حجم التنازلات التي قدمتها الإدارة الأمريكية في هذا الشأن.
مع تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في السعودية, كانت منطقة الخليج العربي قد شهدت حالة من التوازن بعد أن تم إعادة ترتيب البيت الخليجي على إثر الخلاف الذي كان قد نشب بين السعودية في عهد الملك الراحل عبدالله والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى, كما بدأت المملكة بإعادة ترميم العلاقة مع حلفائها وبناء تحالفاً سنياً واتباع سياسة الردع الوقائي الأمني والدفاعي, للتصدي وإيقاف التمدد الشيعي بقيادة إيران الساعية لفرض سيادتها وسيطرتها على المنطقة العربية, كما استطاعت السعودية أن تغير من استراتيجية التعامل والتدخل في المنطقة, وذلك من خلال بناء وتفعيل الاستراتيجية الوقائية للتعامل مع كافة التهديدات والتحديات والمخاطر المحيطة سواء بمنطقة الخليج العربي أو بالمنطقة العربية, من قبل التنظيمات والجماعات الإرهابية كداعش والقاعدة والحوثيين, وهذه الاستراتيجية برزت من خلال تشكيل قوات التحالف العربي للتصدي للحوثيين بعد انقلابهم في اليمن.

في ظل التطورات التي شهدتها المنطقة العربية وتحديداً منطقة الخليج العربي من اختلال ميزان القوى سياسياً وعسكرياً, وصعود وبروز قوى إقليمية وتراجع للدور والمكانية الإقليمية للسعودية, جاءت عملية عاصفة الحزم لتعيد ترتيب الأدوار والأوراق والحسابات لكافة القوى, وتعيد صياغة المفاهيم والتوازنات السياسية والعسكرية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط, وإيصال رسالة لكافة القوى الإقليمية والدولية, بقدرة الدول العربية على حماية مصالحهم ومقدراتهم والدفاع عنها والمحافظة على أمن واستقرار دولهم, إلغاء مفهوم شرطي المنطقة. وإن الاتفاق الذي تم الإعلان عنه في القمة العربية (26) في جمهورية مصر العربية بتشكيل قوة دفاع عربية مشتركة, دليل على إيمان الرؤساء العرب بحتمية تفعيل الاستراتيجية الدفاعية والوقائية, وعدم الاعتماد على قوات التحالف الغربية في حماية أمن الدول العربية ضد أي تهديد.