الفساد ينهب الف مليار من قوت فقراء العرب خلال خمسة عقود

بقلم: 

 
بينما يزداد الفقراء فقرا والضعفاء ضعفا وتتجه معظم الشعوب العربية إلى مستقبل مجهول قدرت المنظمة العربية لمكافحة الفساد أن حجم الأموال التي نهبت وسرقت وبددت في العالم العربي خلال الخمسين عاما الماضية بأكثر من ألف مليار دولار وهو مبلغ يصعب تخيل ما يمكن أن يقوم به في تنمية الإنسان العربي.
يعتبر الفساد مشكلة عالمية تؤرق المهتمين في التنمية وحقوق الانسان ويكان يجمع الباحثون والمؤسسات الناشطة في هذا المجال على اعتباره العقبة الاولى أمام الإصلاح والتنمية والاستثمار والبناء الصحيح.
ان أصعب ما يواجه الإعلامي الجاد والحر في الوطن العربي هو البحث في موضوع الفساد، ودائما ما يكون أسهل منه بكثير توجيه النقد السياسي والمعارضة السياسية للحكم والتوجهات العامة، والمسكوت عنه أكبر بكثير مما ينشر.
منذ العام 1995 الشفافية الدولية تقوم بإصدار سنوي لمؤشر دولي لملاحظة الفساد يرمز له اختصارً(CPI)  يقوم بترتيب الدول حول العالم حسب درجة مدى ملاحظة وجود الفساد في الموظفين والسياسيين. وتعرف المنظمة الفساد بانه إساءة استغلال السلطة المؤتمنه من اجل المصلحة الشخصية.

موقع الدول العربية في مؤشر مدركات الفساد

صنفت منظمة الشفافية الدولية السودان وليبيا والعراق وسورية واليمن بين الدول الأكثر فسادا في العالم فيما اعتبرت الدنمارك ونيوزيلندا الدولتين الأقل فسادا،وينتشر الفساد أكثر في دول العالم الثالث لأن الوصول إلى الحكم يتم فيها بطرق غير مشروعة.

إن ممارسة السياسيين للفساد، يؤدي إلى "إجراء تغييرات في بنية الدولة وفي قلب المعادلات السياسية" وبالتالي استغلال ضعف السلطة وآليات المراقبة لتحقيق المصالح الخاصة من خلال تجاوز القوانين ونهب المال العام الذي هم مؤتمنون عليه، وهكذا في شكل دائرة يصعب نسفها.
الفساد بهذا الشكل يحرم الكثير من أفراد المجتمع من إمكانيات الوصول إلى الخدمات العامة الأساسية وكذلك من جزء كبير من نصيبهم في الثروة الوطنية، ويكرس واقع الفقر ويزيد من معاناة الفقراء "فالفساد يمثل الشر الأساسي (الذي) يدع الملايين من البشر أسرى البؤس والفقر والمرض والصراعات وأشكال الاستغلال الوحشية"
فبالإضافة إلى ضعف السلطة السياسية هناك عدة أسباب متعارف عليها، من عدم تطبيق القوانين، والثغرات التي يمكن أن تتخلل معايير خصخصة ممتلكات الدولة أو إبرام العقود الحكومية المتعلقة بصفقات مشاريع المنشآت والبنيات الأساسية، وعدم وضوح آليات التوظيف في المناصب العمومية.

ان الصراع في سوريا والعراق وليبيا، إضافة إلى الصراعات الأخرى التي تشهدها المنطقة، أصاب الأسر بأضرار جسيمة، وخلف أكبر الأعداد من النازحين واللاجئين في العالم، الذين باتوا اليوم يعيشون في ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية حسبما يفيد به تقرير التنمية البشرية لعام 2014.
ويشير التقرير إلى تأخر في الدول العربية نسبة إلى المتوسطات العالمية بمقياس دليل التنمية البشرية معدّلاً بعامل عدم المساواة. ويبلغ عدم المساواة في التعليم مستويات مرتفعة، يصل متوسطها إلى 38 في المائة؛ وكذلك في الصحة والدخل.
ويقدّم التقرير فكرة التعرض للمخاطر في مختلف مراحل الحياة، ولا سيما في مراحل مصيرية حيث تكون الصدمات مصدرًا لآثار بالغة، ويدعو إلى الاستثمار في مراحل مبكرة من الحياة في التنمية لبناء المنعة. ويتناول التقرير موضوع التعرض للمخاطر الناجم عن التمييز وقصور المؤسسات، وهما من العوامل التي تلحق أكبر الأضرار في الدول العربية بالنساء والنازحين.
ادارة الفساد في العالم العربي
ربما يكون المدخل الصحيح لفهم الفساد في الوطن العربي هو ملاحظة درجة المؤسسية والعبقرية في وسائله وحيله حتى يكاد يكون عصيا على محاولات مكافحته مهما كانت جادة وصادقة، وحتى حين تتبنى هذه المكافحة جهات عليا في الدولة، فما تكشفه وسائل الإعلام ومناقشات السياسيين والمجالس النيابية من وقائع الفساد تدل على انتشار فظيع للفساد وقيمه وممارساته في مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والسياسية.
إن معالجة الفساد تكون بمنهجية شاملة تستهدف محاصرته والتعامل مع أسبابه ومكوناته، فالفساد أساسا يقع عندما يكون الاحتكار والقدرة على التصرف ولا تكون ثمة مساءلة، والعلاج يقع في الشفافية الإدارية والمالية والمحاسبة والمتابعة واختيار الأمناء دائما وتعديل المكافآت والحوافز والعقوبات وتطوير أنظمة المعلومات والتحري.

إن الفساد السياسي تختلف ماهية وتتعدد مظاهره بين بلد وآخر، إلا أنه وفي كل الأحوال هويعني فساد طبقة الساسة والحكام وقادة الأحزاب وأعضاء الحكومة والنخب الحاكمة (أيا كان موقعهم أو انتماءاتهم السياسية، حين يقوم هؤلاء بالتواطؤ وباستغلالهم لمواقع نفوذهم السياسي لتوجيه القرارات والسياسات والتشريعات؛ لتحقيق مصالح خاصة بهذه الطبقة، أو لأحد الأطراف ياملوا ان يستفيدوا منها لاحقا.
ويعني الفساد السياسي الإثراء غير المشروع من السلطة، أو الحصول على أموال غير قانونية لزيادة النفوذ المالي والاجتماعي، أولتمويل حملاتهم الانتخابية، أو لتسهيل الحصول على الرشاوى وتشريعها، مقابل منح استخدام أو امتلاك أراضي الدولة أوعقود وامتيازات أو تراخيص أوموافقات تجارية، إذ تصبح خزينة العامة حسابا بنكيا خاصا بهذه النخبة، بما يشمله من الصرف على أمور ترفيهية ذاتية، ترافقها كذلك عمليات تهريب للأموال العامة وبشكل سري إلى البنوك، أواستثمارات خارجية.

صدمات الفساد والأرقام المذهلة
بعد فتح الملفات يخرج أبطال الفساد في الدول مثل طائر العنقاء أبطالا منقذين ومسؤولين مرة أخرى وتنتهي الزفة مثل سابقات لها.ويتبين أن مكاتب الرقابة الداخلية التي شكلت في الوزارات والمؤسسات شكلية وتستند إلى موظفين ضعاف أو أصدقاء يغطون على المخالفات الإدارية والمالية.ويرتبط الفساد بثقافة وممارسات أخذت طابع الاعتياد والقبول، بل تعد أمراً طيباً مثل المحسوبية ومعاونة الأقارب والأصدقاء في الحصول على امتيازات ومصالح غير مشروعة.
ويذكر النائب اللبناني نجاح واكيم في كتابه "الأيادي السوداء" الذي جاوزت طبعاته المتتالية 30 طبعة أن الفساد في لبنان سياسة واضحة الأهداف ويتحدث عن 59 شركة عقارية "عائلية" بعضها وهمي تلقت قروضا حجمها 73 مليار ليرة.

الفساد.. الآليات والوسائل
ويعتقد أن حجم الفساد في الوطن العربي ازداد في المعاملات اليومية، وتشابكت حلقاته وتنامى إلى دوائر كثيرة في الحياة والإدارة إلى درجة لم يسبق لها مثيل مما يهدد مستقبل المجتمع العربي في الصميم ويدعو إلى القلق والفزع!. (الدكتور محمود عبد الفضيل)
وتتعدد أشكال الفساد في الدول العربية من التهريب الضريبي، وتخصيص الأراضي عبر قرارات إدارية علوية تأخذ شكل العطايا لتستخدم في ما بعد في المضاربات العقارية، والمحاباة والمحسوبية في التعيينات الوظيفية الكبرى، وإعادة تدوير المعونات الأجنبية للجيوب الخاصة حيث يقدر أن 30% منها لا تدخل خزينة الدولة وتذهب إلى جيوب مسؤولين، وقروض المجاملة التي تمنحها المصارف دون ضمانات جدية وغالبا لا تسدد، وعمولات عقود البنية التحتية وصفقات السلاح، والعمولات والإتاوات التي تحصل بحكم المنصب أو الاتجار بالوظيفة العامة، ورشوة رجال الصحافة والنيابة والقضاء والأمن لتسهيل مصالح غير مشروعة. (الدكتور محمود عبد الفضيل)

الفساد.. التداعيات والنتائج
ربما لا تكون أخطر نتائج الفساد هي هدر المال العام والخاص، ولكنه الخلل الذي يصيب أخلاقيات العمل وقيم المجتمع، فتضعف المؤسسات الحكومية ويتراجع أداؤها، ويكاد يكون مفروغا منه أن المؤسسات الصحية والتعليمية الرسمية لا تعد قادرة على أداء مهماتها، وإذا واصلت عملها في هذا المسار فإنها ستصل إلى الانهيار والتوقف في غضون سنوات.
وتقدم الشركات الدولية رشى في الدول النامية تمارس ضغوطا سياسية ودبلوماسية لتمرير أعمالها وخدمة مصالحها، وتتقاضى أعداد كبيرة جدا من الموظفين الحكوميين في أنحاء العالم رواتب منتظمة من الشركات الأجنبية ومن بين هؤلاء سياسيون كبار”
لقد ارتبطت حياة قطاع كبير من المجتمعات بالدخول السرية التي مصدرها الفساد، وأصبحت دخلا أساسيا تقوم عليه ترتيبات في الحياة لا يمكن الاستغناء عنها كالسكن والتعليم والعلاج أو أخرى إضافية كالسيارات الخاصة، وسيكون صعبا أو مستحيلا على هؤلاء إعادة ترتيب حياتهم والتزاماتهم على أساس دخولهم الشرعية الحقيقية، وهكذا فقد تشكلت دورة حياة ودخول وعلاقات اقتصادية واجتماعية قائمة على الفساد.
إن إنجاز قانون مكافحة الفساد والكسب غير المشروع ليس بالضرورة كافيا لوقف نهب المال العام واستغلال الوظائف على نحو فجائعي، فثمة قوانين كثيرة، بل حتى الدستور لا يجد احتراما ولا يملك هيبة.. وماذا سيكون موقف المواطن وشأنه حتى يتأكد أن القانون في سبات عميق وليس موضع تنفيذ.. ستضيع بالتأكيد الحدود بين المصلحة العامة والخاصة، وسيتخلى المواطن عن احترامه للمؤسسات والقوانين والمحاكم وثقته بها.
وفي النتائج المباشرة فإن الفساد والتهرب الضريبي يزيدان عجز الموازنة العامة ويضعفان مستوى الإنفاق العام على السلع والخدمات الضرورية، فترتفع تكاليف الخدمات والتكوين الرأسمالي.
أفكار لمعالجة الفساد
مهما يكن تغلغل الفساد وعبقريته فإن الاعتقاد بعدم جدوى مكافحته هو ترف يجب تجنبه، فلا يملك المشتغلون بالإصلاح والنهضة سوى العمل في أي ظرف، وقد تكون أعمال مكافحة الفساد مشروعا نبيلا غبيا ولكنها الخيار الوحيد الذي يبقي جذوة المقاومة والأمل حتى تكون الأجيال والأمم عندما تتهيأ الفرصة لهزيمة الفساد قادرة على اقتناصها وتوظيفها.
وثمة أفكار واقتراحات ووجهات يمكن العمل عبرها لكشف الفساد أو تخمينه وتقديره، مثل المراصد الإعلامية والمعلوماتية التي تستخدم المصادر المتاحة من الصحف والتقارير الرسمية لمتابعة وملاحظة مجموعة من الأعمال والبرامج والعقود
1.     عقود البنية التحتية وعقود النفط، والعقود الاستشارية الكبرى، التوكيلات التجارية.
2.     التداخل (القرابة والنسب والشراكة) بين شاغلي الوظائف العليا الإدارية والسياسية وعضوية مجالس الإدارة في الشركات المحلية والأجنبية.
3.     نمط توزيع أموال هيئات المعونة والمنح الأجنبية.